الحديث الأول - باب حبس المؤمنين بقنطرة بين الجنة والنار حتى تقضى المظالم

الحديث الأول - باب حبس المؤمنين بقنطرة بين الجنة والنار حتى تقضى المظالم

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن ...

مقالات - 2021-03-06

الحديث الأول - باب حبس المؤمنين بقنطرة بين الجنة والنار حتى تقضى المظالم

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:- قال (إذا خَلُصَ المؤمنونَ من النارِ حُبِسوا بقنطرةٍ بين الجنةِ و النارِ، فيتقاصُّونَ مظالمَ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقُّوا و هُذِّبوا أُذِنَ لهم بدخولِ الجنةِ، فو الذي نفسُ محمدٍ بيدِه لأحدُهم بمسكنِه في الجنةِ أدلُّ منه بمسكنِه كان في الدنيا). 
تخريج الحديث
 أخرجه الإمام البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب قصاص المظالم برقم 2440، الفتح 5/115، كما أخرجه الإمام البخاري في كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة برقم 6535، الفتح 11/403(1). 
معنى المفردات
إذا خلص المؤمنون من النار: أي نجوا منها ومن السقوط فيها. 
حبسوا بقنطرة: أي منعوا، وأوقفوا على القنطرة، وقيل القنطرة هي طرف الصراط، ويحتمل أنها شيء آخر بين الجنة والنار، وقيل غير ذلك، وهذا غيب لا يعرف إلا بالنص. 
فيتقاصُّونَ: وفي رواية فيُقَص، وفي أخرى فيَقْتَصُ لبعضهم من بعض قال ابن الملقن(2): يتقاصُّونَ: أي يتتاركون لأنه ليس موضع مقاصة ولا حساب لكن يلقي الله جل جلاله في قلوبهم العفو لبعضهم عن بعض أو يعوض الله جل جلاله بعضهم من بعض. 
قال ابن حجر: قال القرطبي(3): هؤلاء الذين علم الله جل جلاله أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم، وفي الرواية الثانية ورد ذكر قوله تعالي (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) [الحجر: 47]، من رواية يزيد بن زريع أحد رواه السند، ووردت الآية تامة عن النبي صلى الله عليه وسلم (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الحجر: 47].
حتى إذا نقوا وهذبوا: بمعني خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض، وحدث التمييز والتخلص من التبعات ونقوا من التنقية، وهذبوا: أي خلصوا.
أُذن لهم بدخول الجنة: - نسأل الله جل جلاله أن ندخلها مع السابقين وهذا هو الفوز المبين والأمل العظيم فضلاً من الله جل جلاله رب العالمين.
لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله في الدنيا: قال: ابن بطال(4) (إنما كان أدل لأنهم عرفوا منازلهم في الجنة بتكثير عرضها عليهم بالغداة والعشي فقد أخبرنا عليه السلام: أن المؤمن إذا كان من أهل الجنة عرض عليه مقعده منها بالغداة والعشي، فيقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله جل جلاله يوم القيامة(5)، وقال تعالي (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد: 6]. 
المعنى الإجمالي
هذا الحديث يشتمل على معني دقيق وشديد جدا، فأما شدته فهي في هذا الموقف الذي حل بأهل الإيمان الذين فرغوا من الحساب وخلصوا من النار، فزاد الأمل بالفوز والرضوان فإذا بهم يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، وكأني بهم ينظرون ويتساءلون في أنفسهم، لماذا؟، ماذا بقي؟ وتمر الأحداث وهم يحمدون الله جل جلاله أن أخذوا الكتاب باليمين، ونجاهم بفضله من النار وتجاوزوا الصراط، ولكنهم الآن قد حبسوا على هذه القنطرة لماذا؟ إلى متي؟ ماذا سيكون؟ 
حقًّا إنه أمر شديد جدًّا. 
والأمر دقيق جدًّا، كما ورد في الحديث عند البخاري، (لا يحل لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد قبله مظلمة)(6). فمازال هناك بقية من حقوق، نعم، لم تمنعهم من دخول الجنة، ولكن لابد من العفو فيما بينهم، أو يقتص من بعضهم لبعض، لكنها مظالم لا تستغرق حسناتهم، ولعل ورود الآية الكريمة في إحدى الروايات (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) [الحجر:47]، كاشف عن ذلك وقيل الغل: هو الحقد والضغينة، حتى تصبح القلوب طاهرة نقيه، من أي حقوق أو أمور خفية.
ولم يرد مقدار الحبس على هذه القنطرة، ولكن الحديث يكشف كم أن الظلم لابد من القصاص له وأخذ كل ذي حق حقه. 
قال ابن كثير: عن أبي أمامة قال: لا يدخل الجنة مؤمن حتى ينزع اللّه ما في صدره من غل حتى ينزع منه مثل السبع الضاري، وقال غيره: أخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصفت صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض، وورد عن عليّ بن أبي طالب أنه قال: إني لأرجو الله أن أكون أنا وفلان، حيث ورد عدة روايات إحداها قال الزبير، وفي أخرى طلحة، وفي أخرى عثمان وغيرهم، أن أكون أنا وهم ممن قال اللّه فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ).
يقول الشيخ الشعراوي: وكلمة نزعنا تدل على تغلغل العمليات الحقدية في النفوس يكون عميقا، وأن خلعها في اليوم الآخر يكون خلعا من الجذور.
قال البغوي: وأخرجنا ما في صدورهم مِن غشِّ وعداوةٍ كانت بينهم في الدنيا فجعلناهم إخوانا على سرر متقابلين لا يحسد بعضهم بعضا على شيء من فضل الله. 
وقال الألوسي: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) أي قلعنا ما في قلوبهم من حقد خفي وعداوة كانت بمقتضى الطبيعة لأمور جرت بينهم في الدنيا، ثم يقول: أخرج ابن جرير عن السدي قال: "إن أهل الجنة إذا سبقوا إلى الجنة فبلغوها وجدوا عند بابها شجرة أصل ساقها عينان فيشربون من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور، ويغتسلون من الأخرى فتجري عليهم نضرة النعيم فلن يشعثوا ولن يشحبوا بعدها أبدا". 
وهذا الكلام بحثت عنه فلم أجد له سندا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الغيبيات التي لابد لها من دليل من الله أو ممن علّمه الله.
ويأتي الحديث ببشارة معرفة أهل الجنة بمنازلهم فيها، وإني أشعر بالمبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم يطمئن أهل الجنة الذين حبسوا للتنقية أنهم بإذن الله جل جلاله سيدخلون إلى منازلهم بالجنة بعد هذه التنقية.
ما يستفاد من الحديث 
1. عدل الله جل جلاله.
2. الجنة لا يدخلها إلا من تطهر من كل الحقوق التي عليه. 
3. عاقبة الظلم شديدة حتى يمنع أهل الجنة من دخول الجنة إلا بعد قصاص المظالم. 
4. الله جل جلاله لا يظلم أحدا. 
5. الإنسان هو الذي يظلم نفسه. 
6. إثبات وجود قنطرة بين الجنة والنار.
7. معرفة المؤمن مسكنه في الجنة.
8. رحمة النبي صلى الله عليه وسلم في بيان معرفة المؤمن مكانه في الجنة بعد الشدة التي حواها الحديث في أوله.
9. أهمية أسلوب الترغيب والترهيب في الدعوة إلى الله جل جلاله.  
---------------

(1) المرجع في البخاري ومسلم الآتي: -
*فتح الباري بشرح صحيح البخاري الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 773- 852 هـ دار الريان للتراث راجعه قصي محب الدين الخطيب رقمّ كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي الطبعة الأولى 1986م.
*صحيح مسلم بشرح الإمام محي الدين النووي ت 676هـ المسمى المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج مؤسسة الكتب الثقافية بيروت الطبعة الأولى 2010م.
(2) الفيض الجاري بشرح صحيح البخاري 4 /637.
(3) فتح الباري 11 / 406 والإمام القرطبي المشار إليه المحدث وليس المفسر.
(4) الفيض الجاري 4 /638.
(5) البخاري – كتاب الجنائز باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي. (الفتح 3 / 286 برقم 1379) والحديث عن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".
(6) فتح الباري عند شرح للحديث.


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات