الحديث الثاني باب: القصاص من البهائم

الحديث الثاني باب: القصاص من البهائم

روي الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه ...

مقالات - 2021-03-13

الحديث الثاني باب: القصاص من البهائم

روي الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَتُؤَدَّنَّ الحقوقَ إلى أهلِها يومَ القيامةِ، حتى يُقادَ للشاةِ الجَلْحاءِ مِنَ الشاةِ القَرْنَاءِ).
تخريج الحديث
أخرجه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم 6463.
معنى المفردات
الحق: الذي لم يستوفَ في الدنيا.
الجلحاء: التي لا قرون لها.
القرناء: ذات القرون. 
المعني الإجمالي
قال الله تعالي: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) [التكوير:5]، وقال تعالي: (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) [ص:19].
ولعل سؤالاً يتبادر لماذا تحشر الوحوش، وهي غير مكلفة، وليس لها جنة ولا نار، وتأتي الإجابة: 
أولاً: ليرى الناس كمال قدرة الله جل جلاله في بعث جميع المخلوقات. 
ثانياً: كمال عدله سبحانه وتعالي في الاقتصاص للدواب من بعضها البعض.
قال الإمام النووي في شرح حديث الإمام مسلم: (هذا تصريح بحشر البهائم وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة وعلي هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالي (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) [التكوير:5]، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره، قال العلماء: وليس في شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب، وأما القصاص من القرناء للجلحاء، فليس من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة).
(أقول) هذا يتم بين البهائم التي لا عقل لها، ولا تكليف عليها، فكيف بالإنسان المكلف، صاحب العقل والتمييز، الذي أرسل الله جل جلاله له الرسل، وأنزل الكتب وضاعف له الحسنات، واعطاه مهلة للتوبة والاستغفار، ورد المظالم. 
عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شاتَينِ تنتطِحانِ، فقال: (يا أبا ذرٍّ! أتدري فيما تنتطِحانِ؟ قلتُ: لا، قال: ولكنْ ربُّك يدري، وسيقضي بينهما يومَ القيامةِ)(1).
ويتبين من هذا كله حرص الإسلام على تحريم أي نوع من الظلم، وقد روى الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله: ما مِن صاحِبِ إبِلٍ، لا يَفْعَلُ فيها حَقَّها، إلا جاءَتْ يَومَ القِيامَةِ أكْثَرَ ما كانَتْ قَطُّ، وقَعَدَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ تَسْتَنُّ عليه بقَوائِمِها، وأَخْفافِها، ولا صاحِبِ بَقَرٍ، لا يَفْعَلُ فيها حَقَّها، إلا جاءَتْ يَومَ القِيامَةِ أكْثَرَ ما كانَتْ، وقَعَدَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بقُرُونِها، وتَطَؤُهُ بقَوائِمِها، ولا صاحِبِ غَنَمٍ، لا يَفْعَلُ فيها حَقَّها، إلا جاءَتْ يَومَ القِيامَةِ أكْثَرَ ما كانَتْ، وقَعَدَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بقُرُونِها وتَطَؤُهُ بأَظْلافِها، ليسَ فيها جَمّاءُ ولا مُنْكَسِرٌ قَرْنُها، ولا صاحِبِ كَنْزٍ لا يَفْعَلُ فيه حَقَّهُ، إلا جاءَ كَنْزُهُ يَومَ القِيامَةِ شُجاعًا أقْرَعَ، يَتْبَعُهُ فاتِحًا فاهُ، فإذا أتاهُ فَرَّ منه، فيُنادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الذي خَبَأْتَهُ، فأنا عنْه غَنِيٌّ، فإذا رَأى أنْ لا بُدَّ منه، سَلَكَ يَدَهُ في فِيهِ، فَيَقْضَمُها قَضْمَ الفَحْلِ. قالَ أبو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يقولُ: هذا القَوْلَ: ثُمَّ سَأَلْنا جابِرَ بنَ عبدِ اللهِ عن ذلكَ فقالَ مِثْلَ قَوْلِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ. وقالَ أبو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يقولُ: قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، ما حَقُّ الإبِلِ؟ قالَ: حَلَبُها على الماءِ، وإعارَةُ دَلْوِها، وإعارَةُ فَحْلِها، ومَنِيحَتُها وحَمْلٌ عليها في سَبيلِ اللَّهِ(2).
قال الإمام النووي: قال القاضي: قال المازري: يحتمل أن يكون هذا الحق في موضع تنفع فيه المواساة. 
وفي صحيح مسلم كتاب البر والصلة باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، فإذا كان الأمر كذلك فكيف ترى أحوال الإنسان. ففي صحيح الإمام مسلم باب النهي عن لعن الدواب (8 / 249) برقم 6487 عن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة"، قال عمران: وكأني أراها الآن تمشي بين الناس ما يعرض لها أحد.
وفي (9 / 49) برقم 6866 عن أبي هريرة - رضى الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلاً". 
بل نجد درجات عالية لمن كان في قلبه رفق بالحيوان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنا رَجُلٌ بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه. قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ: "في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ"(3).
ولعل ورود هذا الحديث في كتاب المظالم لبيان أن المياه العامة يمكن استخدامها شريطة عدم إيذاء أحد، وهذا الحديث عظيم الشأن لبيان رحمة الله بخلقه.
 وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "فشكر الله له فغفر له": يدل على أن الرحمة هي أساس هذا التشريع، وأن الراحمين يرحمهم الرحمن، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
وفي هذا الحديث ملمح آخر هو سبب إيراده في كتاب المظالم، وهو بيان أن الظلم والظالمين ضد حقيقة هذا التشريع السمح، من سقى كلباً شكره الله وغفر له، فكيف بمن لا يعالجون المرضى في السجون ولو على حسابهم، وكيف بمن يعذبونهم، ولا يطعمونهم؟! وكيف... وكيف؟!.
ما يستفاد من الحديث
1. الحقوق سيتم القصاص فيها، ولو بين البهائم. 
2. يجب المسارعة بالاعتذار عن سوء السلوك مع الآخرين. 
3. عدم استخدام ما أعطانا الله جل جلاله من نعم الصحة والمال والجاه في إيذاء الآخرين. 
4. الله جل جلاله حكم عدل لا يظلم. 
5. الله جل جلاله سيحشر الدواب للقصاص بعضها من بعض.
6. من له حق إذا لم يستوفه في الدنيا استوفاه في الآخرة.
7. أن مانع الزكاة سيكون ماله عقابا عليه يوم القيامة. 
8. من سقى ذوات الكبد فأجره كبير.
9. الله برحمته يغفر الذنوب جميعاً.
10. الإسلام دين الرحمة. 

---------------------

(1) مجمع الزوائد 10 / 355 وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وفيها راو لم يسم والحديث حسن بطرقه.
(2) صحيح مسلم كتاب الزكاة باب اثم مانع الزكاة. 2162 و2163.
(3) خرج هذا الحديث الإمام البخاري في كتاب المظالم، باب الآبار التي على الطريق إذا لم يُتأذ بها، (الفتح 5 / 135 برقم 2466). وخرجه الإمام مسلم في كتاب قتل الحيات وغيرها باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها (7 / 317) برقم 5731.


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات