الحديث الثالث باب: التحذير من الظلم وأنه ظلمات يوم القيامة

الحديث الثالث باب: التحذير من الظلم وأنه ظلمات يوم القيامة

عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال ...

مقالات - 2021-03-28

الحديث الثالث باب: التحذير من الظلم وأنه ظلمات يوم القيامة

عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أهلك مَن كان قبلَكم، وحملَهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمَهم).
تخريج الحديث
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب - باب تحريم الظلم رقم 6459، وأخرجه البخاري عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - "الظلم ظلمات يوم القيامة" (الفتح 5/120 برقم 2447). 
معاني المفردات
الظلم: لغة التصرف فيما لا يملك التصرف فيه، وأصل الظلم تجاوز الحد، والجور. 
واصطلاحا: التصرف في حق الغير بغير حق، أو مجاوزة الحق، وقيل: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وفي الشريعة: عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل، وقال الراغب: الظلم هو الانحراف عن العدل، وقيل: الظلم هو الخروج عن الاعتدال في جميع الأمور. 
الشح: هو الطمع فيما ليس عندك، وهو أشد من البخل؛ لأن البخل يؤدي بالإنسان إلى منع ما عنده، أما الشح فيؤدي بالإنسان إلى الطمع فيما عند الناس.
 سفكوا دمائهم: قتل بعضهم بعضا. 
استحلوا محارمهم: استحلوا ما حرم الله جل جلاله عليهم. 
اتقوا: من الوقاية وهي الحماية، يقال: اتقِ شر فلان؛ أي تجنب شره، ويقال: الوقاية خير من العلاج؛ أي سعي الإنسان لحماية نفسه من المرض خير من أن يمرض ثم يعالج. 
 وإذا أضيف المعني إلى الله كقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) فالمراد أن العبد يتقي غضب الله جل جلاله وسخط الله جل جلاله، والله جل جلاله هو المستحق للتقوى والمهابة، وشرعاً هي ما ينبغي للإنسان أن يقوم به حماية لنفسه من غضب الله جل جلاله عليه، وقيل: هي امتثال أوامر الله جل جلاله واجتناب نواهيه، وتظهر أهميتها في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
المعنى الإجمالي
في هذا الحديث يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل هذه الملة الحنيفية أن يكونوا في حذر من الظلم، وأن يبتعدوا عنه تماماً بأن يحذروا من تبعاته، وأن يتخذوا الوقاية من الظلم بترك كل ما يؤدي إليه، ولو كان شيئاً قليلاً، كما يتخذ الجندي الدرع ليقي نفسه من سهام العدو.
إن الظالم مهما فعل بالمظلوم، فإن لظلمه نهاية بموت الظالم، أو موت المظلوم، أو زوال الظلم، ولكن مَنْ للظالم يوم القيامة، قال الله تعالى: (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء 89:88]. 
يوم لا درهم ولا دينار إنما الحسنات والسيئات، قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) [الفرقان 27]، وقد وقف هذا الظالم أمام الحق، وكل مظلوم يطالبه بحقٍّ مِنْ مال أو دم أو عرض أو كلمة رماه بها، مَن للظالم يحميه في هذا المشهد العظيم، أين ماله؟ أين سلطانه؟ أين فصاحته؟ أين جاهه؟ أين...؟ أين...؟ 
كل شيء ذهب والخلق يسألون الله القصاص من هذا الظالم، رئيساً كان أو قاضياً، أو ضابطاً، أو موظفاً، أو عاملاً أو زوجاً، أو زوجة، أو... الجميع يقف بين يدي الله جل جلاله ذكراً أم أنثي.
في الدنيا المظلوم لم يكن صاحب حجة أو قدرة على البيان في الدنيا، المظلوم كان أسيراً، والقاضي كان شريكاً في الظلم، وأعوان الظالم تبلدت عندهم الأحاسيس، أصبحت آهات المسجونين كأنها نغمات يتلذذون بها، وأصبحت أوجاع المظلومين كأنها أنوار عرس يعيشونه، طباع الظلمة وأعوانهم طباع بهيمية فاقدة للإحساس، شعور متبلد، قسوة القلب هي صفاتهم، وايذاء الآخرين هو شعارهم يأكلون الحرام، ويتلذذون بصرخات وشكايات الخلق، ينظرون لغيرهم نظرة دونية، ويبتسمون كلما علت صرخات المظلومين، لكن اليوم وقد طويت صفحة الحياة الدنيا، اليوم حال إنكارهم ستنطق جوارحهم وتشهد الأرض والملائكة على ما كان منهم. اليوم حتى الشيطان يتبرأ من أفعالهم ويقول: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ) [إبراهيم:22]، ذهبت كل الشهوات وذهبت لذاتها الكاذبة، ونشواتها الفاسدة، وتبرأ كل فرد من أتباعه قال الله تعالى: (وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا) [طه:108]، وقال الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [الأنبياء: 47]، وكأني بهذا الظالم صاغر أمام المظلومين يوم القيامة يرجو منهم العفو، وهم يطلبون من الله حقهم.
يقول سفيان الثوري: لأن تلقى الله جل جلاله بسبعين ذنباً بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد بينك وبين العباد، وقد ورد في التنزيل: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشوري 42]. قال الشافعي: "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد". وقد قيل: "المظلوم لا يهدأ والظالم لن يهنأ"
قال أبو العتاهية: 
أَمـــا وَاللَهِ إِنَّ الظُــــلمَ لؤمٌ     وَما زالَ المُسيءُ هُوَ الظَلومُ
إِلى دَيّانِ يَومِ الدينِ نَمضي     وَعِــــندَ اللَهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ

وقال آخر:
توق دعا المظلوم إن دعــــاءه       ليرفع فوق السحب ثم يجاب
توق دعا من ليس بين دعائه       وبين إله العـــــــــالمين حجاب
وقال آخر:
يأيُّها الظَّـــــــالمُ في فعــــــــلِه     فالظُّلمُ مردودٌ على من ظلمْ
إلى متى أنت وحتَّى مـــــــتى    تسلو المصيباتِ وتنسى النّقمْ
وقال ابن القيم:
وكذا دعا المضطر أيضاً    صــاعد أبداً إلـيه عند كل أوان
وكذا دعا المظلوم أيـــــضاً      صـاعد حـقا إلــيه   قاطع الأكوان
وقال علىّ رضي الله عنه: 
أدِّ الأمانةَ والخــــــــيانةَ فاجتــنبْ    واعدلْ ولا تظلمْ يطيبُ المكسبُ
واحذرْ مِن المظلومِ سهمًا صائبًا    واعلمْ بأنَّ دعاءَه لا يُحــــــــــجبُ
إن الظلم يهدر كرامة الإنسان، وحريته، ويجعل هذا الذي كرمه الله جل جلاله كئيباً حزيناً مقهوراً، وبالظلم ينتشر النفاق والفساد في المجتمع، وتفسد العلاقات التجارية والأسرية، وتهدر الأموال والأعراض والدماء، ولا يجد المجتمع الأمان، وفي هذا الحديث وعيد للظالمين، بأن ظلمهم سيكون ظلمات عليهم في هذا اليوم العصيب قال الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) إبراهيم:42. ويقول تعالى:(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)  [الأعراف:182].
لا تظلمن إذا كنت مقتدراً       فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتـــبه      يدعو عليك، وعين الله لم تنم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن ذنبٍ أحرى أنْ يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرةِ مِن قطيعةِ الرَّحِمِ والبَغيِ)(1).
والبغي ضرْب من الظلم، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانِه ويدِه)(2)، وفي حجة الوداع بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حرمة الدماء والأموال والأعراض وجعلها حرمات ثلاث، كحرمة البلد واليوم والشهر، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عما قد يؤدي إلى الظلم كمن جاء يطلب النصيحة فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :(لا تَغْضَبْ)(3). فإن الغضب غالبا يؤدي إلى الظلم. 
إن الظلم مرض نفسي يسيطر على الظالم يفقده الإحساس، ويفسد منه كل صفات الخير، ينمي فيه الأنانية والقسوة وحب الشر، وسوف نعرض في هذا الكتاب إلى بعض صور الظلم.
وتأتي النصيحة الثانية التي اشتمل عليها هذا الحديث (وإياكم والشح) والشح بمنزلة المنع، والبخل فرع منه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من البخل.
والشح مرض اجتماعي فتاك. وهو مخالف تماما لما يهدف إليه الإسلام من إيجاد مجتمع متكافل ومتراحم ومتعاون على الخير، مجتمع يقوم على البر والتقوى، فيه يتراحم الغني والفقير، والقوي والضعيف، والكبير والصغير، فيأتي الشح فيغير حقيقة المجتمع الذي رغب فيه الإسلام إلى مجتمع تسفك فيه الدماء، وترتكب فيه المحرمات، ولقد مدح الإسلام من كان بعيدا عن الشح، قال تعالى:(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]، وقال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل: 8-10]. 
قال الإمام الشافعي:
وإن كثرت عيوبك في الدنيا         وسرك أن تكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عــــــيب         يغطـــــيه كما قيل السخاء
والسخاء ضد الشح والبخل، فمن اتصف به ستر الكثير من عيوبه.
ما يستفاد من الحديث
1-تحريم الظلم.
2-أن الظلم سيكون ظلمات يوم القيامة.
3-أن الظلم ولو معنويا سيكون لصاحبه ظلمات.
4-أن الله جل جلاله لا يظلم عنده أحد.
5-أن المظلوم سيأخذ حقه يوم القيامة.
6-عين الظالم تنام، وعين الله جل جلاله لا تنام.
7-أن عاقبة الظلم وخيمة يوم القيامة.
8-التحذير من الشح.
9-الشح يؤدي إلى سفك الدماء وارتكاب المحرمات.
10-الأصل أن المجتمع المسلم مجتمع تراحم وبر.
11-أهمية تربية المجتمع على البعد عن الظلم والشح.
12-أهمية أن يجعل الفرد المسلم وقاية بينه وبين الظلم. 
13- شمول الإسلام لكل التشريعات الحامية للمجتمع من كل شر.

----------

(1) أبو داوود في الأدب باب في النهي عن البغي 4902 والترمذي في صفة القيامة باب 58 برقم 2513 وقال الترمذي هذا حديث صحيح قال مخرج جامع الأصول وإسناده صحيح.
(2) رواه البخاري كتاب الإيمان باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده برقم 10، وخرجه مسلم كتاب الإيمان باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أعظم.
(3) رواه البخاري كتاب الأدب باب الحذر من الغضب ج 10 / 535 برقم 6116.


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات