الحديث الرابع باب: تحذير الولاة من الظلم

الحديث الرابع باب: تحذير الولاة من الظلم

إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا ...

مقالات - 2021-04-04

الحديث الرابع باب: تحذير الولاة من الظلم

عن ابن عباس - رضي الله عنهما أن معاذاً - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوك لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ).
تخريج الحديث
أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب لا يؤخذ كرائم الأموال في الصدقة (الفتح 3/377 برقم 1458)، وخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشريعة الإسلام 1/112 برقم 29.
معاني المفردات
أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى، وأساس ذلك أنهم كانت لهم كتب أنزلت على أنبيائهم، التوراة على سيدنا موسى عليه السلام، والإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام، ولكنها حرفت وزيفت، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ومن العلماء من يلحق بهم المجوس والصابئة لعل المقصود من الإلحاق هو في أخذ الجزية منهم (1). 
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي كلمة التوحيد وأساس دخول المرء في الإسلام، وهي حق الله تعالى على العباد، وما من نبي بُعث إلا نادى في قومه (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 73،65،59]. 
كرائم أموالهم: الكرائم جمع كريمة، وهي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن، وجمال صورة، أو كثرة لحم أو صوف، -أقول - أو الفحل؛ لأنه نادر في القطيع.
 ليس بينها وبين الله حجاب: أي أنها مسموعة لا ترد.
المعنى الإجمالي
هذا الحديث هام جداً لأنه تذكرة للولاة وقد أورد الإمام البخاري الحديث في سبعة مواضع من الصحيح، منها في كتاب المظالم باب الاتقاء والحذار من دعوة المظلوم، وأورد الحديث مختصرا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذا إلى اليمن فقال: (اتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنَّه ليس بيْنَ اللهِ وبينَه حجابٌ) ولكن أورده كاملاً في مواضع أخرى، وأخرج الحديث بتمامه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام. 
إن الولاة مظنة الوقوع في الظلم، حيث السلطة، وإذا ظلم الوالي أفسد الرعية، فإن غيره إذا ظلم رجعوا إليه، أما هو إذا ظلم فإلى مَنْ من الخلق يذهبون، وبظلم الوالي تظلم بطانته وعماله وأتباعه، وضاعت الحقوق في الدولة، وانتشر فيها الفساد، وهنا لم نجد النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الظلم فقط، بل أعطى تحذيراً شديداً، من دعوة المظلوم وبين أنه ليس بينها وبين الله حجاب، وفي قوله صلى الله عليه وسلم (اتق دعوة المظلوم) لم يفرق بين كونه مسلما، أو غير مسلم، قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة في شرحه لقول الإمام المحاسبي (وإياك ودعوة المظلوم)، قال: وذلك أنها دعوة مستجابة ولو كانت من عاص فاجر، أو مشرك كافر. ثم أورد حديث الإمام أحمد وأبي يعلى والضياء المقدسي في المختارة بلفظ (اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)(2)، أي هي مستجابة، ليس هناك مانع يمنع قبولها من الله تعالى، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً، ففجوره على نفسه)(3)، وقد أورد الإمام البخاري قصة لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وكان والياً على الكوفة فأقام فيهم بالحق ولكنهم شكوه لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكانت شكاية كاذبة فدعا سعد على هذا الرجل فاستجاب الله له. 
فعن جابر بن سمرة قال: «شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر - رضي الله عنه - فعزله، واستعمل عليهم عمارا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي. فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين. قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلا - أو رجالا - إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا، قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن. وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن"(4). 
وكذلك أورد الشيخ/عبد الفتاح أبو غدة قصتين في استجابة دعاء مظلوم نوردها للعظة والعبرة. ومن عجيب ما يذكر في هذا المقام: ما وقع للوزير (يحيى بن خالد البرمكي) الجواد المشهور، الذي يضرب المثل به في سعة الجود والكرم، قال الخطيب في "تاريخ بغداد” 132،128:14 في ترجمته رحمه الله تعالى: "كان الخليفة العباسي المهدي، قد ضمَّ ابنه هارون الرشيد، إلى يحيى بن خالد، وجعله في حجره، فربَّاه يحيى، وأرضعته امرأته مع ابنه الفضل، وصار الرشيد ابن يحيى من الرضاعة، فلما استخلف الرشيد، عرف ليحيى حقه، وولاه الوزارة، وكان يُعظمه، وإذا ذكره قال: أبي، وجعل إصدار الأمور وإيرادها إليه، إلى أن نكب هارون الرشيد البرامكة، فغضب على يحيى بن خالد البرمكي، وخلده في الحبس إلى أن مات فيه سنة 190هجرية، وقتل ابنه جعفرا. 
وقال جعفر لأبيه يحيى بن خالد، وهم في القيود والحبس: يا أبت بعد الأمر والنهي والأموال العظيمة، أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس، فقال له أبوه يحيى: يا بني لعلها دعوةُ مظلوم، سرت بليل غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها ثم أنشأ يقول: 
رُب قوم قد غدوا في نعمة       زمناً والدهر ريان غـــدق
سكت الدهر زماناً عنـــــهم     ثم أبكاهم دماً حين نطق
انتهى بتصريف يسير. 
قال العلامة سعد الدين التفتازاني في "شرح الأربعين النووية" ص 194، في شرحه للحديث الرابع والعشرين: (عن أبي ذر الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه جل جلاله إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا).
"حُكي أن الأمير نوح بن أسد بن سامان، أحد الولاة على بلاد ما وراء النهر، لما فرض الخراج على أهل سمرقند بعث بريداً إلى أميره، فأحضر الأئمة والمشايخ وأعيان البلد، وقرأ عليهم الكتاب. فقال الفقيه أبو منصور الماتُريديُّ للبريد: قد أديت رسالة الأمير، فاردُد إليه الجواب، وقل له: (زدنا ظلماً حتى نزيد في دعاء الليل. ثم تفرقوا، فلم يذهب إلا أيام حتى وجدوه قتيلاً، وفي بطنه زُج رُمح - الزُجُ: الحديدة في أسفل الرمح - مكتوب عليه: 
بغي وللبغي ســـــهام تنتـــــــــظر   أتتــــــــه من أيدي المنايا والقدر
ســهام أيدي القانتات في السحر يرمين عن قوس لها الليل وتــر(5)
كما اشتمل الحديث على النهي عن أخذ كرائم الأموال في الصدقات، والمقصود الأفضل في لحمها ولبنها، وغير ذلك فإن في هذا إيذاء لصاحب المال، وأيضاً لا يأخذ الأسوأ فالمطلوب الوسط وهو عدل في كل الأمور، ولقد احتوى الحديث على أمور عظام كثيرة نوردها فيما يستفاد منه. 
ما يستفاد من الحديث
1.    التحذير والترهيب من الظلم.
2.    تحذير الولاة خاصة من الظلم. 
3.    أن العدل هو أساس الولاية.
4.    أن دعوة المظلوم مستجابة.
5.    أن الله جل جلاله لا يفرق بين دعوة المظلوم مسلم أو غير مسلم.
6.    التحذير من إيذاء مؤدي الزكاة بأخذ كرائم أموالهم.
7.    الدعوة إلى التوسط في أخذ أموال الزكاة.
8.    وجوب تعليم الولاة وتدريبهم قبل إرسالهم.
9.    وجوب تعريف كل وال أو داعية أو موظف بالعمل الذي سيقوم به، وتحذيره من مواطن الفساد.
10.    وجوب تعليم الولاة والسفراء والموظفين والطلاب المبتعثين حقيقة الجهات التي سيرسلون إليها.
11.    أن دعوة التوحيد هي أساس الدين كله.
12.    أن حقيقة كلمة التوحيد تشتمل على الشهادتين.
13.    التدرج في تعليم الدين.
14.    البداية بالأهم قبل المهم.
15.    الصبر في التعليم.
16.    الزكاة لا تجوز للأغنياء.
17.    الزكاة لا تجوز لغير المسلمين (ترد على فقرائهم).
18.    جواز نقل الزكاة من بلد إلى آخر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (على فقرائهم). 
19.    فرض الصلاة خمس في اليوم والليلة.
20.    جواز إطلاق كلمة الصدقة على الزكاة.
21.    الطاعة واجبة للولاة في غير معصية. 
22.    جواز رواية الصحابي عن صحابي فهذا الحديث عن ابن عباس عن معاذ.
23.    جواز إنفاق الزكاة في صنف واحد من الأصناف الثمانية.
24.    الأمر الخاص بالتوحيد (ادعهم)، وللشريعة(أعلمهم).
25.    وقع خلاف هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا. 

-------------------

(1) البخاري رقم 6 /297 كتاب الجزية والموادعة باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب برقم 3516 , 3517، وحديث سنوا بهم سنة أهل الكتاب أخرجه الإمام مالك في الموطأ 1 / 278 في الزكاة باب جزية أهل الكتاب والمحبوس قال محقق جامع الأصول رجاله ثقات ولكنه منقطع.
(2) مجمع الزوائد 10 / 155.
(3) مجمع الزوائد 10 /154 رواه أحمد والبزار بنحوه واسناده حسن.
(4) البخاري كتاب الآذان باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت 755.
(5) رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة من ص 126 – 128 (بالهامش).


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات