الحديث السابع باب: الوعيد الشديد لمن يعذب الناس

الحديث السابع باب: الوعيد الشديد لمن يعذب الناس

إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إنَّ ...

مقالات - 2021-04-25

الحديث السابع باب: الوعيد الشديد لمن يعذب الناس

عن هشام بن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أنه قال: مَرّ بالشّامِ على أُناسٍ، وَقَدْ أُقِيمُوا في الشَّمْسِ، وَصُبَّ على رُءُوسِهِمِ الزَّيْتُ، فَقالَ: ما هذا؟ قيلَ: يُعَذَّبُونَ في الخَراجِ، فَقالَ: أَما إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ في الدُّنْيا. 
تخريج الحديث
 أخرجه الإمام مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق برقم 6540وفي رواية: مر هشام بن حكيم بن حزام على ناس من الأنباط بالشام، قد أقيموا في الشمس، فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)، برقم 6541، وزاد في رواية (وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه فحدثه، فأمر بهم فخلوا) برقم 6542.
معاني المفردات
إن الله جل جلاله يعذب الذين يعذبون الناس: محمول على التعذيب بغير حق، فإن القصاص والحدود ظاهرها تعذيب، ولكنها حق لحماية المجتمع من الفساد ومما هو أشد. 
الأنباط: اسم ولقب للفلاحين من العجم. 
المعني الإجمالي
هذا حديث فيه تحذير شديد للظالمين، يحمل وعيداً لهم بانتقام الله جل جلاله يوم الحساب، وبيان أن الحق للمظلوم إن لم يحصل عليه في الدنيا، ففي يوم الحساب والميزان لابد أنه آخذ حقه، ويعرض هذا الحديث نوعاً من الظلم، إنه الإيذاء الذي يترتب عليه القهر والتعذيب، وهو الغالب على مر العصور والأيام، وأما ما وصفه الإمام النووي في عنوان الباب (بدون حق) فهو من دقة فهم السادة الفقهاء، ففي إقامة القصاص وحد السرقة والتعزيرات إيذاء ظاهري لأهلها، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك، فقد فعلوا ما يوجب عليهم ذلك بأسباب شرعية، علاوة على أنه كفارة لهم يوم الحساب؛ وذلك لحديث عبادة ابن الصامت (فمَن وَفى مِنكم فأَجْرُه على اللهِ، ومَن أصابَ مِن ذلكَ شَيئًا فعُوقِبَ به في الدُّنيا فهو كَفّارةٌ له)(1)، والحدود والقصاص لا يسمى تعذيبا، فإذا أطلق التعذيب فهو ما يتم من باب الظلم، وإطلاق الظلم على القصاص والحدود فيه تجوز؛ لذا لم أورد ذلك في العنوان. 
إننا في هذه الأيام نعيش أنواعاً من الظلم والإيذاء البدني... 
•    جلد وضرب بالعصي والأيدي وإيذاء شديد جدًّا.
•    حبس انفرادي. 
•    منع من العلاج.
•    منع من الطعام.
•    وضع الأعداد الكثيرة في أماكن ضيقة.
•    انعدام التهوية للزنازين.
•    منع الزيارات أو إذا تمت ففي ظروف سيئة جدًّا.
•    الصعق الكهربائي.
•    التهديد بإيذاء الأهل.
•    التهديد بالاغتصاب أو اغتصاب الأهل.
•    الإحراق بالسجائر.
•    قلع الأظافر.
•    المنع من النوم فترات طويلة.
•    إحراق الإنسان، وهو حي.
•    تكسير العظام بالحديد.
وألوان أخرى قد يعجز الشيطان عن التفكير بمثلها، ولكن شياطين الإنس الذين قست قلوبهم وتحجرت أحاسيسهم يفعلونها، لقد خلق الله الإنسان وكرَمه قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70]، و قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب:58]، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم وليأخذوا أموالكم، من فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه)(2)، فقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: لو أن رجلا أدب بعض رعيته أتقتص منه؟ قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (والذي نفسي بيده ألا أقصه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه)، ولكن بالرغم من هذه التشريعات الواضحة لكن الظلم والعذاب دائماً مسلط على منْ يعرفون بسجناء الرأي، وأغلب هؤلاء في البلاد الإسلامية من أهل التدين من العلماء والدعاة والعاملين في طريق الله، إنهم أكثر الناس يقع الظلم عليهم بغير ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله.
شهادة حق
في عهد السادات سمحت السلطات لمن عُذبوا أيام جمال عبد الناصر برفع قضايا تثبت ذلك، فرفع أحدهم قضيته وطلب شهادة الحاج مصطفى مشهور - رحمه الله - فذهب للمحكمة، وقال المستشار: قل والله العظيم أقول الحق.
الحاج مصطفى مشهور: والله العظيم أقول الحق، ولكن لن أستطيع أن أقول الحق.
تعجب المستشار رئيس المحكمة وسأل كيف ذلك تقول الحق، وفي ذات الوقت لن تستطيع أن تقول الحق؟
الحاج مصطفى مشهور: نعم سوف أقول الحق: إن رافع القضية ضُرب بالسياط وحدث معه كذا وكذا.. فهذا حق من حيث الكلمات.. ولكن أين الحقيقة؟ هل هذه الكلمات تنقل الإحساس بآلام يشعر بها المظلوم، ودماء تسيل من جسده، وعدم قدرة على الحركة، وليال طويلة لا ينامها، وأخذ يعدد ما يشعر به المظلوم..
فهذه شهادتي كلمات ولكن أين الإحساس والآلام؟
وأقول للجميع 
أيها الظالم ألا تخشى من عذاب الله جل جلاله، ونقمته، وسخطه عليك؟! فمهما فعلت فعذابك منتهٍ بنهاية الدنيا، ولكن عذاب الآخرة لا يعلم نهايته إلا الله عز وجل، ها قد ذهب عنك زخرف الحياة الدنيا وظهرت حقيقتها، أين جنودك؟ أين الجاه؟ أين المال؟ أين الغرور والكبر؟ لقد ذهب كل هذا في أول لحظة في القبر، ولكن اليوم يوم حساب، والنار أمام العيون والشمس فوق الرؤوس... ماذا تفعل؟ 
وأقول لجنود فرعون وهامان، وكل من أيد الباطل ونصره ولو بكلمة، بل كل من كان قادرا على إظهار الحق، ولكنه فضل الدنيا على الآخرة، أين الذين أطعتموهم بالأمس قال الله تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ *وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة 167:166]، والآيات كثيرة وقول النبي صلى الله عليه وسلم :(لو أنَّ أهل السَّماءِ وأَهلَ الأرض اشترَكوا في دمِ مؤمنٍ لأَكبَّهمُ اللَّهُ في النّارِ)(3).
وأقول لمن يلبسون ثياب العلماء ويضلون الناس، ويزينون لأهل الباطل باطلهم، ويخدعون الناس، ويهيئون للظالم ما يرتكب من جرائم هل ماتت ضمائركم، هل تشترون بآيات الله تعالى ثمناً قليلاً. 
وأقول للمظلوم: لك كامل الحق في الدعاء على من ظلمك وسهام الليل لا تخطئ والله يمهل ولا يهمل، ولكل ظالم نهاية بحسب إرادة الله، وأحمد الله أن عافاك أن تكون من الظالمين، وفرج الله قريب.
ما يستفاد من الحديث
1.    تحريم الظلم.
2.    تحريم الإيذاء.
3.    أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4.    الإسلام دين الرحمة. 
------------

(1) صحيح البخاري كتاب الإيمان باب 11 الحديث رقم 18 (الفتح 1 / 18) والمنقول جزء من الحديث وتتمته "ومن أصاب من ذلك شيء ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه".
(2) أبو داوود 2437 في الديات باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه وفيه مجهول.
(3) الترمذي برقم 1398 الديات باب الحكم في الدماء وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
 


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات