الحديث العاشر باب: مَطل الغني ظلم

الحديث العاشر باب: مَطل الغني ظلم

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول ...

مقالات - 2022-12-12

الحديث العاشر باب: مَطل الغني ظلم

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فإذا أُتْبِعَ أحَدُكُمْ على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ).
تخريج الحديث
أخرجه البخاري في كتاب الحوالة، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة فتح الباري 5/542 برقم 2287، وبرقم 2288 باب إذا أحال على ملئ فليس له رد، وفي باب الاستقراض برقم 2400. 
وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم مَطل الغني برقم 3867. 
معاني المفردات
المطل: هو المد والإطالة والتأخير، والمقصود تأخير المدين عن سداد الدين.
أُتْبِعَ: هو تحويل الدين.
مَلِيء: قادر على السداد، وعنده سعة.
فَلْيَتْبَعْ: قبول حوالة الدين. 

المعنى الإجمالي
هذا نوع من الظلم يرِد في المعاملات التجارية والمالية من ديون وقروض وغير ذلك، ويكثر في هذه الأيام، إنه القادر على سداد الدين، يملك المال، ولكنه يتأخر في سداد الدين وقد حل أجل السداد، وهنا ترد استفسارات. 
-ما هو دافع القادر على السداد في المماطلة وعدم السداد في الموعد المحدد.
-هل هو نسيان ولو تذكر لسارع بالسداد مع الاعتذار، لو كان كذلك ما سُمي ظالماً.
-أم هو مَدِين يملك المال ولكن صاحب الدين أغنى منه، فهو يقول: ماذا لو تأخرت عليه فلن يقع عليه ضرر فهو يملك الكثير، وهذا من تزيين الشيطان، فصاحب الحق أحق بماله، وهذا عاقبته وخيمة، فقد يؤدي بهذا المعنى إلى عدم مواساة ومساعدة من يحتاج مستقبلاً، ثم هل هو يقبل من غيره مثل ذلك.
-هل هذا الغني حدث عارض له من عدم وجود سيولة نقدية أو جائحة حلت به؟ ولو كان كذلك لما سُمي ظالماً. 
إذن نحن أمام متمكن من المال يمتنع عن سداد الدين الذي عليه سواء لمثله أو أغني منه أو أقل منه، ولكنه يملك المال وهو قادر على السداد، ولكنه يتأخر متعمداً، ودون أن يستأذن صاحب الدَّين في التأخير، وهذا هو الظلم كما وصف في هذا الحديث. 
ولكن هل يسمى بذلك لمرة واحدة أم إذا حدث تكرار منه؟ والراجح أنه مع التكرار فيصير صفة له، وهل هذا موجب لفسقه؟ 
الراجح أنه مع التكرار يفسق.
إن هذا الفعل هو عبارة عن قسوة القلب، وطمع في الاستفادة بمال الغير، وماذا عن الربح الذي يترتب على ذلك من المتاجرة والعمل في مال الغير هل هذا حلال؟
وهل هناك عقوبة لهذا الغني الذي يماطل في سداد دينه؟ نجد هذا في الحديث الذي رواه البخاري معلقاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليُّ الواجد يُحل عقوبته وعرضَه؟)(1). 
قال سفيان: في بيان ذلك يحل عرضه يقول: ماطلتني؛ أي إن الدائن يُشهِّر به، أما قوله: عقوبته: فيقول سفيان: حبسه؛ أي للقاضي حبس هذا القادر على السداد، وقد أورد البخاري تحت هذا العنوان حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً(2)؛ أي إن صاحب المال أغلظ في الكلام لمن عليه الدين، فأراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منعه، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم اتركوه فهو صاحب حق فيما فعل، ولكن بشرط عدم المعصية في القول، أما إذا كان المدين غير قادر لعجز أو لأمر حل به، فليس ممن هو موصوف بهذا الحديث. 
واشتمل الحديث أيضا على حوالة الدَّين، فقد تقف عوائق عن السداد لعدم وجود سيولة نقدية أو لتعذر الانتقال أو لسبب من الأسباب، فإذا أحال المدين الدينَ الذي عليه على آخر قادر على السداد، فعليه قبول ذلك، والجمهور على أن القبول على الندب، ويرى الحنابلة أنه على الوجوب. 
وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من الدَّين.
ولننظر إلى هذه القصة التي رواها البخاري في صحيحه، والتي تبين حرص المدين على سداد دينه لنتعلم منها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَقَالَ : ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ ، فَقَالَ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، قَالَ : فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ ، قَالَ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلا ، قَالَ : صَدَقْتَ ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا ، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا ، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ ، فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلا ، فَرَضِيَ بِكَ ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا ، فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، فَرَضِيَ بِكَ ، وَأَنِّي جَهدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا ، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ ، قَالَ : هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ ، قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا"(3).
ومع أن الدَّين عند الحاجة مباح إلا أن الإسلام حذر من الدين(4) وما يترتب عليه فالشهيد يُغفر له كل ذنب إلا الدين.(5) 
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الدين ويقول اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم! فقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل إذا غَرم حدّث فكذب ووعد فأخلف(6). وقال صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن مُعلقة بديْنه حتى يُقضى عنه"(7). بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "أعوذ بالله من الكفر والدين. فقال رجل: يا رسول الله أتعدل الكفر بالدين! قال نعم"(8). ولعل المقصود كفران النعمة، فالذي يستدين كثيراً ينتهي به الأمر إلى السخط وعدم الرضا بما رزق الله، كذلك شجع الإسلام على التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه قال تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) [البقرة:280]، وعن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "حُوسب رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيءٌ، إلاَّ أَنَّهُ كَان يُخَالِطُ النَّاس، وَكَانَ مُوسِراً، وَكَانَ يأْمُرُ غِلْمَانَه أنْ يَتَجَاوَزُوا عَن المُعْسِر. قال: قَالَ اللَّه عزَّ وجَلَّ: "نَحْنُ أحقُّ بِذَلكَ مِنْهُ، تَجاوَزُوا عَنْهُ"(9). وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سَرَّهُ أَن يُنَجِّيَه الله من كَرْبِ يوم القيامة، فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِر أو يَضَعْ عنه"(10).
وهذا حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَر. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ، مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ، قَالَ: أَجَلْ، كَانَ لِي عَلَى فُلانِ ابْنِ فُلانٍ الْحَرَامِيِّ مَالٌ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ، فَسَلَّمْتُ، فَقُلْتُ: ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لا، فَخَرَجَ عليَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي، فَقُلْتُ: اخْرُجْ إليَّ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ، فَخَرَجَ، فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟ قَالَ: أَنَا، وَاللَّهِ أُحَدِّثُكَ، ثُمَّ لا أَكْذِبُكَ، خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ، وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ، وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْتُ وَاللَّهِ مُعْسِرًا قَالَ: قُلْتُ: آللَّهِ قَالَ: اللَّهِ قُلْتُ: آللَّهِ قَالَ: اللَّهِ قُلْتُ: آللَّهِ قَالَ: اللَّهِ قَالَ: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي، وَإِلا، أَنْتَ فِي حِلٍّ، فَأَشْهَدُ بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ - وَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ - وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ - رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ)(11). 
ما يستفاد من الحديث
1-    التأخر في سداد الدين من القادر ظلم.
2-    أن ذلك يُحل ذكره بالسوء.
3-    وكذلك يُحل حبسه وعقوبته.
4-    أن المدين إذا أحال الدين على قادر على السداد فعلي الدائن قبول ذلك ندباً أو وجوباً، على خلاف في ذلك.
5-    سعي الإسلام لوجود مناخ اقتصادي سليم طاهر. 
6-    حديث أبي اليَسَر يفيد التسامح عن الدَّين لغير القادر.
7-    الدَّين أدى بالرجل أن يختبئ في بيته.
8-    جواز القسم والتأكيد.

------

(1) البخاري معلقاً 5 / 46 في الاستقراض باب لصاحب الحق مقال، قال الحافظ في الفتح وصله أحمد واسحاق في مسنديهما وخرجه أبو داوود 3628 في الأقضية باب في الحبس في الدين وغيره.
(2) رواه أحمد والبزار واسناده أحمد صحيح مجمع الزوائد 4 / 143. 
(3) أخرجه البخاري كتاب الحوالات باب الكفالة في القرض والديون 2197.
(4) راجع هذا كله كتاب الاستدانة للمؤلف.
(5) أخرجه الإمام مسلم باب الإمارة 7 / 22 برقم 4753.
(6) أخرجه البخاري كتاب الاستقراض 5 /74 برقم 2397. 
(7) أخرجه الإمام أحمد انظر الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني تأليف المرحوم عبد الرحمن أحمد السعاتي والجزء 15 / 91 وهو حديث حسن رواه الترمذي
(8) أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي 1 / 532 ورواه الإمام أحمد راجع الفتح الرباني 15 / 87. 
(9) أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساقاة باب فضل إنذار المعسر 5 /310 وما بعدها 3862 و 3866.
(10) أخرجه الإمام مسلم كتاب المساقاة باب فضل انذار المعسر.
(11) حديث رقم 3006 - من كتاب صحيح مسلم - كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ باب حديث جابر الطويل وقصة أبو اليسر.
 


ألبوم الصور

لمشاهدة باقي ألبوم الصور.. إضغط على الصورة


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات