الحديث الحادي عشر باب: عدم العدل بين الأولاد ظلم

الحديث الحادي عشر باب: عدم العدل بين الأولاد ظلم

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتي ...

مقالات - 2022-12-20

الحديث الحادي عشر باب: عدم العدل بين الأولاد ظلم

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بابنِه النعمانِ يحملُه، فقال: يا رسولَ اللهِ إني نحَلتُ ابني غلامًا، وأنا أحبُّ أنْ تشهدَ. فقال: لك ابنٌ غيرُه؟ قال: نعم. فقال: كلُّهم نحَلتَ مثلَ الذي نحَلْتَه؟ قال: لا. قال: إني لا أشهدُ على جَورٍ؟ 
وفي رواية أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فرجع أبي فرد تلك الصدقة. 
وفي رواية: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، قال: أكلهم وهبت له هذا؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذنْ، فإني لا أشهد على جور. 
وفي رواية قال: لا تشهدني على جور. 
وفي رواية قال: فرده، وفي رواية: فأرجع.
وفي رواية قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. 
وفي رواية قال: فليس يصلح هذا فإني لا أشهد إلا على حق. (الفتح 5/306 برقم 2650) البخاري كتاب الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور، 5/46 برقم 4042، وأخرجه مسلم كتاب الهبات باب كراهة تفضيل بعض الأولاد.
معاني المفردات
الجور: الظلم يقال جار في حكمه؛ أي ظلم، وجار على أبناء قومه ظلمهم. 
نحلت: أعطيت بدون غرض.
أشهد غيري: تبرأ وهو تهديد وليس إباحة.
المعنى الإجمالي
نعيش الآن مع واقعة قد تحدث كثيراً في حياتنا، وهو ميل قلب الأب لأحد أولاده ذكراً كان أم أنثي، وقد يكون له سبب ظاهريٌّ، مثل تفوق أحدهم في الدراسة أو له مكانة مرموقة، وقد يكون عطفاً عليه، وإذا كان الرجل تزوج من أكثر من امرأة فقد يكون السبب الميل لأم الولد، والخضوع لها مع التزيين الذي تزينه النفس، وقد تكون هناك أسباب غير ذلك، فما ذكرت إنما لضرب المثل وليس للحصر، وكما يحدث هذا من الرجل يحدث أيضاً من الأمهات وفي هذه الحالة يغفل الأب كما تغفل الأم أن العلاقة مع الأولاد هي بسبب البنوة لا بسبب تفوق علمي أو مركز وظيفي أو قدرة مالية، وإنما السبب نطفة كانت من الرجل ورحم المرأة تربى فيه الجنين، هذا الأمر تساوى فيه كل الأبناء، ولذلك قال الله تعالي في آيات المواريث (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء: 11]، ما قال الذكي أو القوي أو الغني أو غير ذلك، وإنما جعل العلاقة أبوة وأمومة من جهة وبنوة من جهة أخرى، حتى لو كان هذا الابن أو البنت عاقا لوالديه، فلا يؤثر ذلك في نصيبه في الميراث. 
إن قصة هذا الحديث أن عمرة بنت رواحة سألت زوجها البشير أن يمنح ولدها عطية، فلما رغب في ذلك، قالت له عمرة وكانت فقيهة: لا أرضى أن تعطي ابني هذا دون إخوانه حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده فكان هذا الحديث، سأله النبي صلى الله عليه وسلم هل لك أولاد؟ فأجاب البشير: نعم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل أعطيت كل أولادك كذلك؟ فقال البشير: لا، 
فما كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم. 
اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. 
 لا تشهدني إذنْ، فإني لا أشهد على جور. 
 لا تشهدني على جور.
اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم، (ثلاثاً).
أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء.
أشهد غيري. 
فأشهد على هذا غيري. 
إجابات كلها تحمل الرفض القاطع للشهادة على هذا الظلم (الجور)، وتطلب العدل بين الأولاد، وبيان أمر هام، وهو ألا تحبون أن يكونوا لكم في البر سواء؟ أما قول النبي صلى الله عليه وسلم :(أشهدْ غيري) فهي من رواية ابن ماجة، فكيف بها تقف أمام رواية الصحيحين؟ فإنها على سبيل التهديد وليس للإباحة، ومَن مِن الصحابة يرضى أن يشهد على شيء امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهادة عليه. 
إن العدل بين الأبناء مطلوب حتى في البسمة والسرور وفي المأكل والمشرب وكل الأمور. 
وهناك أمور لا يمكن العدل فيها؛ لأنها خارجة عن الإرادة تفرضها وقائع الحياة، كأن يكون أحد الأبناء مريضا يستلزم العلاج فلا يقال: أعط الآخرين مثل قيمة العلاج، أو هذا دراسته تتطلب نفقات أكثر من الآخر، فهذه وقائع حياتية لا شأن لها بالعدل، وإنما العدل في القلب وما يهوى وما نعيشه من ماديات وغيرها. 
وقد ورد عن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فجاء ابنٌ له فقبَّله وأجلسه على فخِذِه وجاءته بنتٌ له فأجلسها بينَ يدَيه، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ألا سوَّيتَ بينهم.(1)
ألا سويت بينهما، وفي رواية: فهلا عدلت بينهما. 
إلي هذه الدرجة مطلوب العدل، مع أنه قد يقال: هذه ابنة والحياء يمنع جلوسها على فخذه وما شابه ذلك. 
ولذا فإن الشيطان يسلك طرقاً كثيرة للتمييز بين الأولاد، فهذا يساعدني في العمل، وهذه زوجه تقوم على خدمتي في كبر سني، وهذه ابنتي التي ترعاني، ويسعى الآباء للتمييز في ذلك، نعم لك أن تعوضهم عما يشترون لك، أو تعطيهم هدايا مقبولة، واعلم أن ما ينتظرهم عند الله خير وأبقي. 
وهذا موضوع مشاكله كثيرة يصعب حصرها من جهة الآباء أو الأمهات وكذلك من جهة الأولاد، والدافع له الهوى وعدم تسليم الرقاب إلى دين الله. 
واعلم أن شعور الأبناء بتفضيل أحدهم عليهم قد يؤدي إلى التهلكة قال الله تعالى: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) [يوسف 9:8]. 
ما يستفاد من الحديث
1.    وجوب العدل بين الأبناء.
2.    تمييز أحد الأولاد أو بعضهم بدون سبب واضح هو ظلم (جور). 
3.    المسلم يجب عليه ألا يشهد على الظلم والجور. 
4.    إذا استشكل أمر على المسلم عليه مراجعة أهل العلم.
5.    أن العدل مطلوب بين الأولاد حتى في الابتسامة والجلسة والمُداعبة والمُلاطفة وغير ذلك.
6.    أن الفعل الباطل يؤدي إلى نتيجة غير طيبة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تحبون أن يكونوا لكم في البر سواء.
7.    نزغات الهوى والنفس والشيطان في هذا الباب كثيرة.
8.    السعي لإشهاد أهل التقوى على الأعمال.
9.    سبل الشيطان كثيرة فلا بد من الحذر.
10.    النفس تبرر لصاحبها العمل الباطل. 
11.    فضل المرأة الصالحة.
12.    قبول الرجل لمشورة زوجه فيما فيه صلاح. 
-------------
(1) مجمع الزوائد الرقم: 8/159 رواه البزار فقال حدثنا بعض اصحابنا ولم يسمه وبقية رجاله ثقات. 


ألبوم الصور

لمشاهدة باقي ألبوم الصور.. إضغط على الصورة


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات