الحديث الثاني عشر باب: يرفع الإيمان من قلب من أخذ ما  لا يستحق وأمور أخرى

الحديث الثاني عشر باب: يرفع الإيمان من قلب من أخذ ما لا يستحق وأمور أخرى

عن عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد ...

مقالات - 2023-01-04

الحديث الثاني عشر باب: يرفع الإيمان من قلب من أخذ ما لا يستحق وأمور أخرى

عن عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري وهو جده أبو أمه قال: (نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّهْبَةِ والمُثْلَةِ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إليه فيها أبْصارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُها وهو مُؤْمِنٌ)، وعَنْ سَعِيدٍ، وأَبِي سَلَمَةَ، عن أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إلا النُّهْبَةَ.
تخريج الحديث
أخرجه الإمام البخاري في كتاب المظالم، باب النهبي بغير أذن صاحبه وقال عبادة بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننتهب، فتح الباري 5/142 برقم 2474، ورواه برقم 5578.
وبرقم 6772 كتاب الحدود باب الزنى وشرب الخمر.
ورقم 6810 كتاب الحدود باب إثم الزناة وليس فيه النهبة.
و أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله، وفيه بعد أن ذكر الزاني والسارق وشارب الخمر، وكان أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن. 
وعند مسلم أيضاً في رواية همام (يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها، وهو حين ينتهبها مؤمن)، وزاد (ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فإياكم إياكم).
وفي رواية (والتوبة معروضة بعد) 
الأحاديث ج1/ ص173 وما بعدها برقم 52 إلى 59. 
وروايات البخاري وروايتان عند مسلم تثبت أن النهبة في أصل الحديث وليست من زيادات أبي هريرة رضي الله عنه. 
معاني المفردات
النهبة: المال المأخوذ من صاحبه جهراً وقهراً وهو غير السرقة، فالسرقة أخذ المال سرا وخفية، أما النهبة فهي أشد من السرقة لزيادة الجرأة فيها وعدم المبالاة، وفيها كسر لقلب من انتهب ماله. 
المعنى الإجمالي
هذا الحديث يكشف عن أمور عظيمة يرتكبها الناس، منها الزنى وشرب الخمر والسرقة والنهبة، وفاعل ذلك ينزع الإيمان من قلبه في حال هذا الفعل المحرم.
ولقد عشت ورأيت كيف يتم ذلك عن طريق التأميم، الذي يسلب الإنسان من كل ما يملك دونَما سبب، وفرق بين التأميم الذي هو مصادرة الأملاك وبين محاسبة الإنسان إذا كان ما يملكه محرما أو حصل عليه بطريق حرام.
وكذلك مصادرة أموال الجمعيات الخيرية وغيرها وتسليمها لمن يسيء استخدامها، وأنواع أخرى كثيرة من الظلم. 
وورد في الحديث (يَرْفَعُ النَّاسُ إليه فيها أبْصارَهُمْ) وهذا دليل على عظم هذه النهبة، فكم من أراضٍ وعمائر ومصانع تم أخذُها عنوة وظلماً. 
إن أخذ الأموال والاستيلاء عليها، مثل النهبة التي يرفع الناس أبصارهم إليها، وهذا يمثل أضراراً كثيرة على الجانب الاقتصادي، حيث يؤدي إلى انكماش اقتصادي، وهروب رءوس الأموال، ويسيطر على السوق الاقتصادي الظلمة والمنافقون، فالناس في هذا الوقت لا تأمن على أموالها، مما قد يؤدي إلى كساد اقتصادي وهروب الكفاءات المتميزة من دولة الظلم. 
ويزداد الإثم والذنب حين يكون الحاكم هو الفاعل لذلك، فهو يستغل الحكم والقوة والسطوة للبطش بالناس في كل مناحي الحياة، في وقت مطلوب منه العدل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يَحِلُّ لمسلمِ أنْ يَأخُذَ عَصا أخيه بغَيرِ طِيبِ نَفْسِ"(1) وذلك لشِدَّةِ ما حَرَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مِن مالِ المُسلِمِ على المُسلِمِ.
والنهبة جريمة ومعصية وظلم يظل المظلوم متألما لما يحدث له، فيرفع يديه إلى السماء طالباً حقه، سواء أخذه في الدنيا أو في الآخرة يوم لا درهم ولا دينار. قال عبادة رضي الله عنه: (إنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بَايَعْنَاهُ علَى ألا نُشْرِكَ باللَّهِ شيئًا، ولا نَسْرِقَ، ولا نَزْنِيَ، ولا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ، ولا نَنْتَهِبَ، ولا نَعْصِيَ، بالجَنَّةِ إنْ فَعَلْنَا ذلكَ، فإنْ غَشِينَا مِن ذلكَ شيئًا، كانَ قَضَاءُ ذلكَ إلى اللَّهِ)(2).
ونشير هنا إلى هذا الحاكم الظالم الذي يصدر من القوانين ما يستحل به أموال الناس، ويظن بذلك أنه يطبق القانون، نعم هو قانون ظالم لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً.
وما معنى: (وهو مؤمن) هل يرفع الإيمان نهائيا من القلب أم يرفع مؤقتاً حال ارتكاب الجريمة؟ هذا الأخير الذي عليه أهل السنة، ولكن إذا استمر الإنسان في هذه الأفعال فمتى يعود الإيمان إلى القلب؟ 
والإنسان لا يعرف متى يأتيه الأجل، فربما حل به حال ارتكابه لإحدى هذه الجرائم، أو لأكثرها، والإيمان قد رفع من قلبه، فكيف يكون الحال حينئذ؟! وقد ورد في أحاديث أخرى (ولا يَغُلُّ أحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وهو مُؤْمِنٌ، فإيَّاكُمْ إيَّاكُمْ)(3).
وورد عن ابن عباس رضي الله عنه: (وَلا يَقْتُلُ وَهو مُؤْمِنٌ)(4). 
ومن المهم أن نذكر أن الحديث اشتمل على جرائم هي غاية في القبح، وهي الزنى والسرقة وشرب الخمر التي ورد بها نصوص قاطعة في الكتاب والسنة، وكأن النهبة قرينة لذلك. 
ونشير كذلك إلى أن باب التوبة مفتوح ومن شروطها رد المظالم إلى أهلها عيناً إذا كانت موجودة أو عوضاً مع طلب العفو من المظلوم والعزم على عدم العودة لذلك. 
ولقد اهتم الإسلام بحرمة المال؛ لأن استقرار الجانب الاقتصادي هام جدا؛ ولذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتل دون ماله فهو شهيد"(5).
ما يستفاد من الحديث
1-التحريم الشديد للجرائم: السرقة والزنى وشرب الخمر.
2-تساوي النهبة مع هذه الجرائم في التحريم الشديد.
3-أن النهبة نوع من الظلم.
4-أن انتشار ذلك يؤدي إلى فساد اقتصادي في الدولة.
5-أن الفشل والانحلال يلحقان بهذه الجرائم.
6-أن الإيمان ينزع من فاعلي هذه الجرائم حين الوقوع فيها. 
7-خطورة التمادي في ذلك.
8-أن باب التوبة مفتوح ومن شروطها رد الحقوق إلى أهلها.

-----

(1) مجمع الزوائد 4 / 174 وقال رواه أحمد والبذار ورجال الجميع رجال الصحيح.
(2) البخاري كتاب مناقب الأنصار باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة (7 /260) برقم 3893 وورد في بعض الروايات ولا نقضي بدلا من نعصي. 
(3) مسلم (1 / 176) برقم 57 كتاب الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي.
(4) البخاري كتاب الحدود باب إثم الزناة (12 / 116) برقم 6809. 
(5) أخرجه البخاري في كتاب المظالم باب من قتل دون ماله (الفتح 5 / 147 برقم 2480).
وخرجه الإمام مسلم في صحيحه بكتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد (1 / 253) برقم 218 والحديث السابق له عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار (1 / 253) برقم 217. وإيراد هذا الحديث واضح جلي فإن أخذ بدون حق ظلم واضح، لكن ليس لصاحب المال حق عمد قتله، وورد "من قتل دون ماله مظلوما فهو شهيد" أورده في الفتح عند الشرح.
 


ألبوم الصور

لمشاهدة باقي ألبوم الصور.. إضغط على الصورة


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات