عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَلا يَكونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه).
تخريج الحديث
أخرج الإمام البخاري الحديث في كتاب المظالم باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته؟ (الفتح 5/121 برقم 2449).
وأورده في كتاب الرقاق باب القصاص يوم القيامة برقم 6534. 
المعنى الإجمالي
هذا الحديث فيه دعوة لكل من عليه مظلمة لأحد أن يسارع إلى طلب العفو ممن أخطأ في حقهم، وقوله في هذه الرواية :(مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ) فكلمة (له) هنا بمعني (على)، وقد وردت صريحة في رواية كتاب الرقاق باب من كانت عنده مظلمة لأخيه، وقوله: (مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ) هو من باب العام بعد الخاص فكلمة شيء للعموم. 
 ويحث النبي صلى الله عليه وسلم الظالم أن يتحلل من ظلم أخيه في المال أو الغيبة أو النميمة أو غير ذلك، وأكثر الشروح لكلمة من عرضه؛ أي الغيبة ولكن هناك أمور قد تمس العرض أكبر من هذا بكثير، ولا يمكن الإفصاح عنها، ولكن ماذا لو كان الإفصاح حتى في مثل الغيبة قد يترتب عليه ضرر شديد أو قطيعة رحم، هنا عليه أن يذكره بالخير في المواطن التي اغتابه فيها، وأن يكثر من ذكره بالحسنى، وكذلك بالدعاء له. 
إن الإسلام حريص على أداء الحقوق، ويهدف إلى إيجاد مجتمع تسوده صفات التراحم والمودة والألفة وينتشر فيه الخير بكل ما فيه من الرحمة والمودة والمحبة، والإسلام يرمي إلى عدم رمي الناس بالباطل وعدم الاعتداء، وأداء صلة الأرحام وبر الوالدين وحق الجيران.
كما يدعونا هذا الدين القيم إلى عدم الخداع والمماطلة في أداء الحقوق لأهلها وطلب التحلل منها وطلب العفو والصفح ممن أخطأنا في حقهم، ويذكر لنا بأن الدار الآخرة لا درهم فيها ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات، فإن كان عند المحسن حسنات أخذ منه لمن أساء في حقهم، وإن لم يكن عنده حسنات أخذ من سيئاتهم فضمت إلى سيئاته.
ولكن يدور بخاطري أمور.
فلقد سطر الشاعر هاشم الرفاعي هذه الأبيات:
أبتاه ماذا قد يخـــــــــطُّ بناني        والحبلُ والجلادُ ينتظران
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ    مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليــــــــــلةٌ أحْيا بِها    وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في    هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ    والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي    في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
إلى أن يقول:
وَإذا سَمعْتَ نَشيجَ أُمِّيَ في الدُّجى    تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها  أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني    لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
ويقول العلامة يوسف القرضاوي:
فترى العساكر والكلاب معدة للنهش طوع القائد المفتون
هذه تعض بأنيابها وزميلها يعدو عليك بسوطه المسنون
إلى أن يقول:
أسمعت بالإنسان يُنفخ بطنه     حتى يُرى في هيئة البالون؟
أسمعت بالإنسان يُضغط رأسُه     بالطوق حتى ينتهي لجنون؟
أسمعت بالإنسان يُشعل جسمُه ناراً وقد صبغوه بالفزلين؟
أسمعت ما يلقى البريء ويصطلي حتى يقول: أنا المسئُ خذوني؟
أسمعت بالآهات تخترق الدجى رباه عدلك.. إنهم قتلوني؟
إن كنت لم تسمع فسل عمّا جرى مثلي ولا ينبيك مثل سجين
لقد نشرت الجرائد أن مستشارا بمحافظة المنيا أصدر حكماً بالإعدام على أكثر من خمسمائة سجين في ثلاثة أيام فقط.
وأما السؤال كيف يتحلل مثل هؤلاء من كل هذه الظلمات؟ كم من قضية نُفذ حكم الإعدام في شباب ثم تبينت براءتهم.
ما يستفاد من الحديث
1-خطورة المظالم.
2-المظالم كثيرة وورد لفظ شيء للعموم.
3-خطورة مظلمة العرض؛ لذا جاء تخصيصها بعد العموم.
4-يوم القيامة لا يوجد درهم ولا دينار.
5-قصاص يوم القيامة حسنات وسيئات.
6-إذا نفدت حسنات الظالم تحمل من ذنوب من ظلمهم.
7-رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة؛ لذا يدعوهم إلى سرعة تحلل الناس من مظالمهم. 

ألبوم الصور

لمشاهدة باقي ألبوم الصور.. إضغط على الصورة