الحديث الرابع عشر باب: من حق الطريق إعانة المظلوم

الحديث الرابع عشر باب: من حق الطريق إعانة المظلوم

يا رسولَ اللهِ، فما حقُّ الطريقِ؟ قال: "غَضُّ البَصَرِ، وكفُّ ...

مقالات - 2023-01-21

الحديث الرابع عشر باب: من حق الطريق إعانة المظلوم

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إيَّاكم والجُلوسَ في الطُّرُقاتِ"، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما لنا من مجالِسِنا بُدٌّ، نتحَدَّثُ فيها، قال: "فأمَّا إذ أَبَيْتم إلا المَجلِسَ فأَعْطوا الطريقَ حقَّه"، قالوا: يا رسولَ اللهِ، فما حقُّ الطريقِ؟ قال: "غَضُّ البَصَرِ، وكفُّ الأَذَى، ورَدُّ السلامِ، والأَمرُ بالمعروفِ، والنَّهْيُ عنِ المُنكَرِ"). 
تخريج الحديث
أخرج الإمام البخاري في كتاب المظالم، باب أفنية الدور والجلوس على الصعدات، (الفتح 5/134 برقم 2465)، كما أورده في كتاب الاستئذان برقم 6229 باب قول الله تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الحجرات: 27].
معاني المفردات
الحق: ما وجب ولزم وثبت، وهو أمر يقر به الشرع من أجل تحقيق مصلحة معينة. 
الطريق: هو السبيل، وهو الممر الواسع ومنه ما هو خاص وعام، وفي الاصطلاح المكان المخصص لسير الناس أو المواشي أو المراكب أو السفن أو الطائرات في الأرض أو الجو أو البحر. 
المعنى الإجمالي
هذا حديث عظيم الشأن جليل القدر ليس فقط في خصوص الظلم، بل إنه يضع قاعدة جليلة مع أحاديث أخرى بشأن الطرق وحقوقها، فإن من علامات تقدم الأمم ورقيها الاهتمام بالطرق العامة الرئيسية منها والفرعية، التي يسلكها الناس في حياتهم لقضاء مصالحهم وفي بعض الدول أصبح للطرق وزارات خاصة بها، ما يدل على أهميتها. 
وقد بين الإسلام حقوق الطرق، وهي مجموعة القواعد والمطالب والأوامر الشرعية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم علاقات الناس بالطريق ومرافقه وسالكيه على وجه الوجوب والإلزام أو الاستحباب. 
وقد جمع ابن حجر العسقلاني ذلك في نظم.
 جَمَعْت آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى    الطَّـــــــرِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إنْسَانَا
أَفْشِ السَّلامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَـــــلامِ    وَشَمِّـــــتْ عَاطِسًا وَسَلامًا رُدَّ إحْسَانَا
فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعــــِنْ    وَأَغِثْ لَهْفَانَ وَاهْدِ سَبِيلا وَاهْدِ حَيْرَانَا
بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ مُنْكرٍ وَكُفَّ أَذًى  وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلانَا(1)
ومما ورد في الحديث.
غض البصر: وهو منع الظلم الذي يأتي بالعين. 
كف الأذى: بأي سبيل من السبل بالكلام أو غيره.
رد السلام: حتى تنتشر المحبة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
وقد ورد في حديث البراء: (مَرَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على مَجلسٍ مِن الأنصارِ، فقال: إنْ أبَيتُم إلا أنْ تَجلِسوا، فاهْدوا السَّبيلَ، ورُدُّوا السَّلامَ، وأعينوا المَظلومَ)(2). 
ولو نظرنا في صور الأذى التي هي في نفس الوقت ظلم نجد صوراً متعددة منها: 
-التسابق بالسيارات وما يسمى في الدول (بالتفحيط). 
-إلقاء المعلبات والنفايات وأكياس القمامة.
-رفع الصوت وآلات التنبيه والكاستَّات. 
-تجاوز الإشارات.
-الحُفَر والبلاعات. 
-اصطحاب الكلاب الشرسة التي تؤذي الناس. 
-اتخاذ الشوارع ملاعب.
وغير ذلك كثير مما يترتب عليه ضرر بالآخرين. 
ولقد أورد الإمام البخاري أحاديث أخرى في كتاب المظالم متعلقة بالطرق.
قَالَ هَمَّامٌ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"(3).
وتأتي هذه الأحاديث لتبين بعض الأمور الهامة المتعلقة بالطرق.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "دَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْتُ إلَيْهِ، وعَقَلْتُ الجَمَلَ في نَاحِيَةِ البَلاطِ، فَقُلتُ: هذا جَمَلُكَ، فَخَرَجَ، فَجَعَلَ يُطِيفُ بالجَمَلِ، قالَ: الثَّمَنُ والجَمَلُ لَكَ"(4).
ولعل هذا الحديث يبين إطلاق الحق في الطرقات العامة في الوقوف فيها بوسائل المواصلات، وكيف أن وضع أشياء أمام بعض المتاجر لمنع الناس من المرور، يعتبر أمراً سيئا يمنعهم حقهم، ولكن للجهات الإدارية وضع ضوابط وقواعد لتنظيم ذلك.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ"(5).
هذا الحديث مروي لرفع النزاع وبيان ذلك قوله: "إِذَا تَشَاجَرُوا" وهذه عادةً تؤدي إلى درجات مختلفة من الظلم، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم لرفع ذلك، وليس المقصود أن الطرق تكون هكذا، فهذا أمر يرجع إلى العادة والحاجة، وللدولة تقدير ذلك، وفيه اهتمام الإسلام برفع جميع صور النزاع، والاهتمام بالجانب الحضاري، ولكن هذا من الأمور التي تختلف من زمان ومكان إلى زمان ومكان آخر.
إن الطرق وسائل هامة حتى أنه في الدولة الأموية كان هناك طرق للجهاد، وأخرى للبريد، وثالثة للتجارة، ورابعة للحج، وكانت هذه الطرق تتمتع بالأمن والأمان والحراسة مما جعل الأنشطة المختلفة تنهض والتجارة تأخذ حقها وحظها في النمو.
إن منع جميع صور الظلم عن الطريق هو من أهم عوامل أمان المجتمع وهذا الأمان المحقق لأهداف المجتمع. 
ومما لا شك فيه أن الاهتمام بالطرق هام جدا، وهو مسئولية الفرد والمجتمع والدولة، والأحاديث فيها كثيرة جدا.
ما يستفاد من الحديث
1.    سعي الإسلام لمجتمع طاهر القلب والجوارح.
2.    للطريق حقوق هامة.
3.    فرض غض البصر.
4.    أهمية كف الأذى.
5.    إعانة المظلوم.
6.    رد السلام.
7.    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
8.    لكل شيء حق ولا ينتفع المرء بالشيء إلا بأداء حقه.
9.    التقدم الحضاري الذي احتوته التشريعات الإسلامية للطرق.
10.    أهمية إماطة الأذى عن الطريق.
11.    إماطة الأذى من الصدقات.
12.    حق الوقوف في الطرق العامة مكفول للجميع.
13.    تنظيم الدول في ذلك ملزم.
14.    إذا اختلف في اتساع الطريق فيكون سبع أذرع.
15.    للجهات الإدارية تنظيم الطرق بما فيه صالح المجتمع.
16.    كمال الشريعة وشمولها.
------
(1) الفتح11/13.
(2) رواه الترمذي أبواب الاستئذان والآداب باب ما جاء في الجالس على الطريق برقم 2727 عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء قال: ولم يسمع منه في الاستئذان باب ما جاء في المجالس على الطريق واسناده منقطع لكن للحديث شواهد بمعناه فهو بها حسن.
(3) صحيح البخاري - بَاب إِمَاطَةِ الْأَذَى وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ
(4) أخرجه الإمام البخاري في كتاب المظالم باب من عقل بعيره على البلاط أو باب المسجد (5 / 140) برقم: 2470.
وأخرجه الإمام مسلم الحديث قصة بيع جابر لبعيره للنبي صلى الله عليه وسلم في كتاب المساقاة باب بيع البعير واستثناء ركوبه (6 / 21) برقم 3963 وما بعده، ولكن موضع الشاهد ليس في رواية مسلم.
(5) أخرجه الإمام البخاري في كتاب المظالم والغصب باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء – وهي الرحبة تكون بين الطريق ثم يريد أهلها البنيان، فترك منها للطريق سبعة أذرع. (الفتح 5 / 141 برقم 2473). ورواه مسلم في صحيحه كتاب المساقاة باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه 6 / 35 برقم 4004.


ألبوم الصور

لمشاهدة باقي ألبوم الصور.. إضغط على الصورة


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم

التعليقات