الحديث التاسع عشر باب: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المظلوم
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أَمَرَنا النبيُّ
أخرج الإمام البخاري في كتاب الظلم باب قوله تعالى: (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ).
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ).
تخريج الحديث
البخاري كتاب المظالم باب قوله تعالى:(وهو ألد الخصام) (الفتح 5/127 برقم 457).
البخاري كتاب التفسير باب وهو ألد الخصام (الفتح 8/36 برقم 4523).
البخاري كتاب الأحكام باب الألد الخصم وهو الدائم في الخصومة (الفتح 13/192 برقم 7188).
مسلم كتاب العلم باب في الألد الخصم 8/298 برقم 6664.
معاني المفردات
الألد: شديد الخصومة، وقيل: شديد الخصومة مع الميل عن الحق، وهو الأعوج في المناظرة الذي يروغ عن الحق.
الخَصِمُ: أحكم الخصومة، وهو من اشتدت خصومته، وهو المذموم في الخصومة بالباطل.
المعنى الإجمالي
وقد ورد قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة: 204].
هذا صنف من الناس يستخدم اللسان للخديعة، ولإنشاء العداوة، ثم بين القرآن فيهم صفة أشد سوءا مما سبق قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 206]، أي إذا دعي إلى خير من تقوى الله جل جلاله واجتناب هذا الأسلوب السيئ في الخصام بترك الظلم للآخرين والاستعلاء والتكبر والغرور الذي يعيش فيه، أخذته العزة بالإثم فاستكبر وحملته أنفته على المزيد من ارتكاب السيئات.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم :(إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ) لماذا هذه الصفة؟ ذلك لأن هذه الصفة الذميمة تؤدي إلى:
1-التحاسد والتباغض.
2-التقاطع والتدابر.
3-الكبر والعجب.
4-الإفساد في الأرض.
5-العداوة.
6-الكذب.
7-إنكار الحق.
8-ضعف الإيمان.
9-الضلال.
10-التشفي.
وهذه من الصفات المذمومة، ومثلها لو انتشرت في المجتمع، لم يستقر المجتمع على خير، ولم يسكن على طمأنينة، بل تعيش فيه الشحناء والبغضاء، ومن العجب أنك تجد مثل هؤلاء يبررون لأنفسهم ما يبثون من الشحناء والبغضاء بمبررات تزينها لهم النفس الأمارة بالسوء والشيطان بأنهم إنما يظهرون الحق، وأنهم ربما يرون أنفسهم مجاهدين في وقت ركن الناس فيه عن قول الحق، وإني أستشعر أن هؤلاء ممن وصفوا في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف 104:103].
إن الفُجور في الخصومة، والخروج فيها عن الطريق المستقيم والشدة والعنف في الخصومة، إنما تكشف عن قلب سيئ لا يحمل خيراً، والأشد أنه لا يراجع نفسه بل يتمادى، وقد غرته نفسه فساقته إلى مزيد من المعاصي.
وإيراد الإمام البخاري هذا الحديث في كتاب المظالم مبين لحقيقه هذا الفعل ويكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلى اللَّهِ).
(وأبغض) دليل على أن الله شديد البغض لصاحب هذه الصفات، إن اللبيب يراجع نفسه ولا يسلم الأمر للهوى، بل يراجع نفسه ولا يشتد في الخصومة والاتهام وسوء الكلمات، والمشكلة الأشد أن مثل هؤلاء أنهم يعجبون بمن يمدحهم ويتغافلون عن الناصحين لهم، بل يزيدون في وصف الناصحين لهم بالجبن وعدم الشجاعة في قول الحق.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم صنفا قريب الشبه بهؤلاء إنه إنسان يعرض الناس عنه أو يلينون لهم الكلام بالرغم من عدم استحقاقهم؛ وذلك بسبب فحشهم.
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ رَجُلا اسْتَأْذَنَ علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهُ قالَ: بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ، وبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في وجْهِهِ وانْبَسَطَ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قالَتْ له عَائِشَةُ: يا رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ له كَذَا وكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ في وجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ(1).
قال الشاعر:
وإخوان حســـبتهم دروعـــا فكـــــــــانوها ولكن للأعادي!!
وخلتهم سهاما صـــــائبات فكــــــانوها ولكن في فؤادي!!
وقالوا قد صفت منا قلوب لقد صدقوا ولكن من ودادي!!
وقالوا قد سعينا كل ســـعي لقد صـــــدقوا ولكن في فسادي
ومما ورد في هذا الشأن في كتاب المظالم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)(2).
والمقصود من هذا الحديث أن الخصومة غالباً ما تؤدي إلى الظلم، فمنعها مع السبب للمسبب، وغالباً هذا هو النفاق العملي، لذا كان عنوان البخاري في كتاب الإيمان باب علامات المنافق، فهي علامة، والمقصود أيضا من اتصف بما ورد في الحديث، وليس من حدث منه ذلك مرة أو مرات قليلة، والله أعلم.
ما يستفاد من الحديث
1. ذم الألد الخصم.
2. التحذير من رد الناصحين.
3. الأنفة تؤدي بصاحبها إلى مزيد من المعاصي.
4. الله جل جلاله وحده هو الذي يعلم القلوب.
5. انتشار الجدال علامة الضلال.
6. الخصومة من أساس اللسان.
7. الخصومة الشديدة والفجور فيها تؤدي إلى أفعال سيئة كثيرة.
نسأل الله جل جلاله العفو والعافية وأن يحفظنا من الفجور في الخصومة، ومن رد نصيحة الناصحين، وألا نزكي أنفسنا، اللهم أمين.
***
(1) صحيح البخاري (الفتح 10/466 برقم 603) كتاب الأدب باب لم يكن النبي فاحشاً. مسلم كتاب البر والصلة والأدب باب مداراة من يتقي فحشه 8/246 برقم 6479.
(2) أورده البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب إذا خاصم فجر (الفتح 5 /128 برقم 2459).
وقد أورد هذا الحديث في كتاب الإيمان باب علامة المنافق (الفتح 1 / 111 برقم 34) كما أورده في كتاب الجزية والموادعة باب إثم من عاهد ثم غدر (الفتح 6 / 322 برقم 3178).
وأورده مسلم في كتاب الإيمان باب بيان خصال المنافق 1 / 167 برقم 60 , 61 , 63 , 64 وفيها زيادة "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".
التعليقات