ليلة النصف من شعبان

ليلة النصف من شعبان

لقد ابتلي الناس ببدعة إفراد ليلة النصف من شعبان بصيام ...

مقالات - 2023-03-05

ليلة النصف من شعبان

لقد ابتلي الناس ببدعة إفراد ليلة النصف من شعبان بصيام وقيام وصلوات مخصوصة وأدعية مخصوصة.. وننقل هنا ما قاله الشيخ أحمد البنا في الفتح الرباني. 

تحذير مما ابتدعه الناس في ليلة النصف من شعبان
اعلم أرشدني الله وإياك إلى العمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن ليلة النصف من شعبان ليلة فاضلة ورد في فضلها أحاديث لابأس  بها(1) سيأتي بعضها في فضل ليلة النصف من شعبان من أبواب فضائل الأزمنة في كتاب الفضائل وسنفيض القول هناك إن شاء الله تعالی، ونقتصر هنا على ما يناسب الباب، وقد تغالی الناس في فضائل ليلة النصف من شعبان فأوردوا فيها أحاديث، بعضها ضعيف شديد الضعف، وبعضها موضوع لا أصل له، وابتدعوا لها بدعاً شتی لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والدين بريء منها (فمن الأحاديث الشديدة الضعف) ما رواه ابن ماجه في فضل صوم يوم النصف عن علي رضي الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له. ألا من مسترزق فأرزقه. ألا  مبتلی فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر، هذا الحديث في سنده أبو بكر بن عبدالله بن محمد بن أبي سيرة القرشي العامري المدني، قيل اسمه عبد الله. وقيل محمد، وقد ينسب إلى جدہ،  رموه بالوضع كذا في التقريب، وقال الذهبي في الميزان ضعّفه البخاري وغيره، وروى عبد الله وصالح ابنا الإمام أحمد عن أبيهما رحمهم الله، قال كان يضع الحديث، وقال النسائي متروك اهـ(ومن الأحاديث الموضوعة) ما رُوي عن علي أيضا. وفيه فإن أصبح في ذلك اليوم صائماً كان كصيام ستين سنة ماضية وستين سنة مستقبلة، أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال موضوع وإسناده مظلم ( ومن البدع) ما أحدثوه من صلاة مخصوصة وأدعية وغيرها ما أنزل الله بها من سلطان ( ومن أقبحها) الدعاء المسمى بدعاء ليلة النصف من شعبان الذي أوله اللهم يا ذا المن ولا يمن عليك، وهو يقرأ بعد صلاة المغرب ثلاث مرات مع سورة يس، الأولى بنية طول العمر. والثانية بنية اتساع الرزق. والثالثة بنیة الاستغناء عن الناس، وقد عمت به البلوی في القطر المصري فصار يُقرأ علناً بأعلى صوت في مساجد الأوقاف فضلاً عن المساجد الأخرى، ومن عظيم البلوى أن أئمة المساجد العلماء هم الذين يلقنونه للعوام فيرددونه وراءهم بأعلى صوت، وفي ذاك الوقت تضيق المساجد بمن فيها لأنه لا يتخلف عنها أحد من المصلين وغيرهم إلا النادر لاعتقادهم أن قراءة هذا الدعاء تطيل العمر وتوسع الرزق وتُغْني عن الناس مع ما فيه من مخالفة كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتخليط في قراءة سورة يس بعد الدعاء، فلا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم أرشد العلماء إلى العمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ليقتدي بهم العوام ويظهر رونق الإسلام آمين. 
وفي مقاله للأستاذ / حسن البنا عن ليلة النصف من شعبان يقول:–
الكلام عنها يتصل بنواح ثلاث، أولها : ما ورد في فضلها، وثانيتها: الحق والباطل مما يعتقده العامة فيها ويتلونه، وثالثتها: حكم هذا الدعاء المعروف. 
أولاً: ما ورد في فضل هذه الليلة:
ويبين أن البعض يظن أنها التي أنزل فيها (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ويبين الأدلة التي ترد ذلك. ثم يتحدث عن الأحاديث التي وردات في فضلها فيقول: ولو صحت الأحاديث الواردة وسلمت من العلل لكانت أدلة قوية في فضل الليلة، ولكنها جميعا تكلم فيها المحدثون وأعلوها، فمنها ماذكروا ضعف إسناده، ومنها ما ذكروا أن في إسناده ليناً. ثم قال: والذي تطمئن إليه النفس أن هذه الأحاديث مع التسليم بضعفها وتعليلها، تكفي لأن تجعل لهذه الليلة فضلاً على غيرها من ليالي هذا الشهر، وتجعل القيام بما ورد من العبادات كقيام ليلها قياماً شرعياً، وصيام يومها صياماً شرعياً كذلك - من المستحبات – بناء على قاعدة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بشرط ألا يتخذ ذلك ذريعة إلى التعبد فيها بما لم يرد به دليل. 
ثانياً: عقائد العامة وعباداتهم فيها: وذكر الدعاء، وقراءة سورةيس، والصلاة الخاصة بها وبين بطلان ذلك كله. 
ثالثاً: دعاء نصف شعبان: وبيّن أنه لا أصل له وفيه مخالفة لظواهر الأدلة الشرعية. 
ثم تكلم بقلب الداع إلى الله فقال: والناس في ليلة النصف من شعبان قسمان:
- قسم: يتحمس لهذه التقاليد الموروثة تحمساً عظيماً ويدافع عنها دفاعاً قوياً ويلتمس لأصحابها الحجج والمعاذير، ومنهم فريق من أئمة المساجد ومن أهل العلم وهؤلاء أقول لهم: عليكم أن تلاحظوا الأقوال الشرعية قبل ذلك فإنكم بلا شك ستتركون هذه الحماسة. 
 - وقسم: يتحمس ضدها تحمساً عظيماً كذلك فيحّقر من شأنها وينحى باللائمة على فاعليها وقد يؤد به ذلك إلى السب والشتم بل الاشتباك أحياناً، وهؤلاء أقول لهم: إن الذين يفعلون ذلك إنما يفعلونه لأنهم يعتقدون أنه من الدين فهم حسنو النية، وحُسن النية لابد من الرفق معه، وأن هذا المظهر من المظاهر الدينية يوقظ في المسلمين روح الشعور بالإسلام والحماسة له، ومقاومته بهذه الوسائل من التحقير والعنف يهدم في نفوس العامة ما بقي فيها من تقديس الدين واحترامه ويقوي دعایة الخروج على الدين والاستهتارية. وإذن فيكون ضرر هذه المقاومة أشد من نفعها. 
والذي يوجبه الدين على المسلم استخدام الحكمة في الأمر والنهي ولا سيما في المظاهر التي تتعلق بأعمال الجماهير مجتمعة فإنها أحوج ما تكون إلى حسن السياسة ودقة المسلك فعلى الدعاة والمرشدين واجب قدسي هو أن ينشروا هذه الأحكام بين الناس في ظل التعليم الصحيح والحب الخالص وتبادل شعور العطف والتعاون في البحث عن الحقيقة وبمرور الزمن والدأب على الإرشاد يتعرف الجمهور الحق فيعود إليه والله الهادي إلى سواء السبيل(2). 
وبعـد
فهذا هو الصيام تقوية للروح(3)، وصحة للأبدان، وتربية للإنسان على أن يكون له إرادة، وتذكير بنعمة الله، وإحياء الإحساس بالشعور بالعطف على المحرومين، ويكمن فيه حقيقةالعبودية لله، وحسبنا أن القرآن قال عن الصيام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). 
نسأل الله أن يحقق فينا أسرار الصيام، وأن يدخلنا الجنة من باب الريان، وأن يجعلنا من عتقائه من النار في شهر رمضان، وأن يبلغنا ليلة القدر ندعوه مخلصين فلا يردنا خائبين وأن يغفر لنا أجمعين.... آمين. 

----

(1)كتب ذلك الأستاذ / أحمد البنا: راجع الفتح الرباني بشرح مسند الإمام أحمد بن حنبل الشیباني ج۱۰ (۲۰۷، ۲۰۸) ولعله یشیر إلى حدیث الترمذي رقم ۷۳۹ في الصوم، باب ما جاء في لیلة النصف من شعبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فإذا هو بالبقيع، فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: يا رسول الله، إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: «إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب» والحديث إسناده ضعيف، قال الترمذي: حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حجاج. وسمعت محمداً (یعنی البخاري) یضعف هذا الحدیث، وقال: أي الترمذي (یحیی بن أبي كثیر لم یسع من عرورة. والحجاج ابن أرطأه، لم یسمع من یحیی بن أبي كثیر، وهذا یعني وجود انقطاعین في الحدیث.
(2)مجلة الإخوان المسلمون السنة الأولی العدد الأول ۱۷ شعبان ۱۳6۱ ه الموافق ۲۹أغسطس ۱۹4۲ صفحة ۲۰-۲۱.
(3)راجع في ذلك بتوسع، العبادة في الإسلام، د. یوسف القرضاوي ص ۲۸۸ وما بعدها.


ألبوم الصور

لمشاهدة باقي ألبوم الصور.. إضغط على الصورة


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • ليلة النصف من شعبان
  • صيام وقيام وأدعية مخصوصة

التعليقات