الحديث الثامن عشر باب: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً

الحديث الثامن عشر باب: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول ...

مقالات - 2023-03-08

الحديث الثامن عشر باب: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ).
تخريج الحديث
أخرجه الإمام البخاري في كتاب المظالم باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، (الفتح 5/117 برقم 2443 ورقم 2444).
المعنى الإجمالي
إن هذا الحديث هام جداً في واقع الناس وحياتهم، والأمر أن العصبية كما كانت في الجاهلية قبل الإسلام، ما زالت تعيش في القلوب فتؤدي بصاحبها إلى نصرة من يحب ظالماً كان أو مظلوماً، فحمل هذا الحديث مفهوما جديدا، وهو نصرة الظالم؛ لذا حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا) ماذا حدث؟ حدث تعجب من أصحابه فقالوا: هذا ننصره مظلوماً (أي نعرف ذلك، وكيف ولماذا؟) لكن كيف ننصره ظالماً؟ فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم تأخذ فوق يده. 
هذا المعنى جديد وهو نصرة الظالم:-
-بمنعه عن الظلم. 
-تأخذ فوق يده.
-تنصره على نفسه الأمارة بالسوء.
-تنصره على شيطانه.
قال الله تعالى: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ [هود:113]، والركون هو المجاملة والمداهنة والميل إليهم بالمودة والمحبة. 
وورد أن الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه بعد أن قتله بن ملجم جمع ولديه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وقال لهما فيما قال: (كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً) رضي الله عن أهل البيت أجمعين. 
وورد في ذلك أحاديث منها عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ فِي الْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ"(1).
وورد عن رسول الله أنه قال: "من ذب عن عرض أخيه رد الله النار عن وجهه يوم القيامة"(2). 
ومنها (ما من امرئٍ يخذلُ امرأً مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ مِنْ عرضِهِ، ويُنتهكُ فيهِ مِنْ حُرمَتِهِ، إلا خَذَلَهُ اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيهِ نُصرتَهُ، ومَا منْ أحدٍ ينصرُ مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ منْ عرضِهِ، ويُنتَهكُ فيهِ منْ حُرمَتِهِ، إلا نصرَهُ اللهُ في مَوْطِنٍ يُحبُّ فيهِ نُصرَتَهُ)(3). 
ولعل الأذهان تذهب إلى الظالم من الحكام وأصحاب الجاه والمال الذين يكثر ظلمهم، ولا يجدون من يقول الحق أمامهم، بل يجدون ناصرين لهم، وبلا شك أن هذه الفئات وأعوانهم من أعوان الظلمة يدخلون في قوله تعالى: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]. 
ولكن هناك ظلمة، ومع ذلك لا نمنعهم، ومن ذلك: 
 ظلم أم الزوج لزوجة ابنها، بلا شك لا نطلب فسادا في البيوت ولا إساءة للأم، لكن لا ننساق وراء كل ما يقال، ولا نقبل كلاماً بلا بينة، وعلي الزوج أن يخفف عن زوجته ما يحدث دون إساءة إلى أمه، بل يعالج، وكذلك العكس أعني إساءة الزوجة إلى أم زوجها.
ومن هذا الظلم أحد الأبناء يظلم إخوته، ويُمكّن له، خاصة إن كان من أم لها مكانتها عند الأب، فإذا به ينصر هذا الابن الظالم لأخيه أو إخوته ولا يمنعه من الظلم والتمادي فيه. 
ومن هذا أيضا تفضيل الذكور على الإناث من الأبناء، إن أمر الأسرة هام جدا، والظلم فيه له تأثير سلبي على الأجيال.
ومن ذلك أيضا أصحاب الأعمال الذين يستغلون حاجة العاملين عندهم، فيمنعونهم حقهم أو يحملونهم فوق المتفق عليه أو غير ذلك، وإذا بمن معهم يجاملونهم ولا يمنعونهم.
ونجد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لقد شَهِدتُ مع عمومَتي حِلفًا في دارِ عبدِ اللَّهِ بنِ جُدعانَ ما أُحبُّ أن لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولَو دُعيتُ بهِ في الإسلام لأجَبتُ)(4).
 وهو حلف الفضول الذي تعاهدوا فيه أن يكونوا يداً واحدة مع المظلوم، وسمي حلف الفضول؛ لأن من دعا إليه الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة. 
ويروى في سيرة بن هشام أن رجلاً من أراسن، قدم مكة ومعه إبل فاشتراها منه أبو جهل، ومنعه الحق، فقدم الرجل إلى قريش يطالبها بنصرته، فأشاروا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ساخرين لما يعلمون من العداوة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي جهل، فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطرق باب أبي جهل فخرج بعد أن عرف مَن بالباب، وليس في وجهه حياة، ثم دفع المال لصاحب الإبل. إنها نصرة المظلوم، وقد روى ابن كثير الرواية في البداية والنهاية ولكن سندها غير معلوم. 
لقد أبطل الإسلام عصبية الجاهلية في نصرة القوم ظالمين أو مظلومين، فجاء الإسلام فوضع مفهوماً جديداً لنصرة الظالم، وهذا المفهوم هو منعه عن الظلم؛ لإنقاذ نفسه من الحساب في الدنيا ويوم القيامة. 
ويضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً هاما في ضرورة الأخذ على يد الظالم، وأن الأمة في ذلك تحمي نفسها سواء كان هذا الظالم فرداً أو جماعة، وسواء كان له حقٌ مادي أو غير ذلك، فنجاة الأمة في منع الظالم أن يظلم. 
 عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَثلُ القائمِ على حُدودِ اللهِ، والواقعِ فيها، كمَثلُ قَومٍ رَكِبوا سَفينةً، فأصابَ بعضُهم أسفلَها، وأوْعرَها، وشَرَّها، وأصابَ بعضُهم أعلاها، فكان الذين في أسفلِها إذا استَقَوُا الماءَ، مَرُّوا على مَن فوقَهم، فآذَوْهم، فقالوا: لو خَرَقْنا في نَصيبِنا خَرقًا، فاستقَيْنا منه، ولم نُؤذِ مَن فوقَنا، فإنْ تَرَكوهم وأمْرَهم، هَلَكوا جَميعًا، وإنْ أخَذوا على أيْديهم، نَجَوْا جَميعًا)(5).
هذا حديث عظيم في بيان حقيقة الظالم الذي يدعي بالباطل حقا له، مثل الحرية والإبداع، فيخوضون في كتاب الله والأنبياء، أو يدعون حقوقاً شخصية محرمة، ويقولون: نحن لا نضر أحدا، مثل هذه الأكاذيب من الواجب الأخذ على أيدي من يرفعها قبل هلاك الأمة جميعا، وهذا الحديث حديث السفينة له شروح كثيرة أفردت له. 
ما يستفاد من الحديث
1-أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في طرح الأسئلة والموضوعات التي تجذب الانتباه. 
2-الإسلام يقر أفعال الجاهلية التي تقوم على نصرة الغريب، أو نصرة من كان بينهم وبينهم معاهدة، سواء كان ظالماً أو مظلوماً. 
3-يشدد الإسلام على ضرورة الأخذ على يد الظالم. 
4-صلاح الأمة في منع الظلم.
5-الحق أحق أن يتبع.
***
(1) رواه أحمد- حديث رقم: ‏26998‏ بسند صحيح.
(2) الترمذي 1932 في البر باب رقم 20 وقال هذا حديث حسن.
(3) رواه أبو داوود في الأدب باب من رد عن مسلم غيبة برقم 4884 وفي سنده مجهولان وذكره السيوطي في الجامع الصغير ونسبة الى الضياء في المختارة قال محقق جامع الأصول 6 / 570 وهو حديث حسن بشواهده ورواه أحمد.
(4)  ابن هشام: 1/133.
(5) البخاري في الشركة باب هل يقرع في القسمة 5 / 157 برقم 2493 وفي الشهادات باب القرعة في المشكلات. 


ألبوم الصور

لمشاهدة باقي ألبوم الصور.. إضغط على الصورة


  • شارك هذا الموضوع:
  • كلمات دلالية:
  • الأربعون الشريفية في الظلم
  • الشيخ عبد الخالق الشريف
  • الظلم
  • الحديث الثامن عشر باب: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً
  • باب انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً

التعليقات